أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، اليوم الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بالإجماع قرارات برفض الطعون المقدمة من قبل الكيان "الإسرائيلي" بشأن اختصاص المحكمة في دولة فلسطين، وأعلنت عن إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الأسبق "يوآف جالانت"، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً في قطاع غزة.

ويعد قرار المحكمة حدث هو الأول من نوعه في سياق الصراع العربي/الفلسطيني مع كيان الاحتلال طوال العقود الفائتة.

وكان كيان الاحتلال قد قدّم في 26 سبتمبر/أيلول 2024 طعنين رئيسيين إلى المحكمة. الأول يعترض على اختصاص المحكمة في التحقيق بالوضع في فلسطين أو استهداف "مواطنين إسرائيليين"، استناداً إلى المادة 19(2) من نظام روما الأساسي.

 والثاني يطالب بإلزام الادعاء بإصدار إشعار جديد ببدء التحقيق وفق المادة 18(1) من النظام الأساسي، مع طلب تعليق جميع الإجراءات، بما في ذلك النظر في طلبات اعتقال نتنياهو وجالانت.

ورفضت المحكمة الطعن "الإسرائيلي" على أساس أن قبول "إسرائيل" لاختصاص المحكمة ليس شرطاً لممارسة ولايتها القضائية، إذ يمكنها الاستناد إلى الاختصاص الإقليمي لدولة فلسطين.

وأكدت أن "إسرائيل" لا تمتلك الحق القانوني للطعن في اختصاص المحكمة قبل إصدار أوامر الاعتقال، ما يجعل هذا التحدي سابقاً لأوانه، وأوضحت المحكمة أن ذلك لا يمنع تقديم "إسرائيل" طعوناً مستقبلية تتعلق باختصاص المحكمة أو مقبولية القضايا.

ورفضت المحكمة طلب "إسرائيل" بإصدار إشعار جديد للتحقيق، مشيرة إلى أن الادعاء سبق وأخطر السلطات "الإسرائيلية" عام 2021 ببدء التحقيقات، ورغم دعوة الادعاء لـ "إسرائيل" للتعاون في ذلك الوقت، اختارت الامتناع عن متابعة الطلب أو طلب تأجيل التحقيق.

وأكدت المحكمة أن المعايير القانونية للتحقيق ظلت كما هي، ومن ثم، لا داعي لإشعار جديد. كما رفضت المحكمة طلب تعليق الإجراءات، ما سمح بمواصلة النظر في طلبات إصدار مذكرات الاعتقال.

وأصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء "الإسرائيلي" منذ 2023، ويوآف جالانت، وزير الدفاع المقال قبل نحو شهر، بتهم تشمل: (التجويع كأسلوب حرب، والتسبب عمداً في معاناة المدنيين، والقتل، الاضطهاد، وارتكاب أفعال لا إنسانية).

ورغم سرية مذكرات الاعتقال لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات، قررت المحكمة نشر ملخص للتهم بالنظر إلى استمرار الجرائم المزعومة وتأثيرها في الضحايا.

التهم الموجهة لنتنياهو وجالانت

وأكدت المحكمة وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو، وجالانت حرما عمداً السكان المدنيين في غزة من المواد الأساسية للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء، خلال الفترة الممتدة من 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 20 مايو/أيار 2024.

وأشارت إلى أن هذه الممارسات تسببت في وفاة مدنيين، بينهم أطفال، بسبب سوء التغذية والجفاف، وأدت إلى تدهور الأوضاع الصحية بشكل كارثي.

كما وجدت المحكمة أن القيود "الإسرائيلية" المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية كانت تعسفية وغير مبررة بموجب القانون الإنساني الدولي، موضحةً أن القرارات المتعلقة بالسماح بالمساعدات جاءت نتيجة لضغوط دولية، وليست تلبية لالتزامات "إسرائيل" كقوة احتلال.

وشملت الأدلة دور نتنياهو وجالانت في منع المساعدات الإنسانية وتعطيل إمدادات المياه والوقود والكهرباء، ما أثر بشكل مباشر على المستشفيات والخدمات الأساسية.

كما تضمنت تقارير عن عمليات جراحية أُجريت دون تخدير بسبب نقص الإمدادات الطبية، إضافة إلى إظهار الأدلّة باستهداف "إسرائيل" السكان المدنيين في غزة على أساس سياسي وقومي، ما يشكل جريمة ضد الإنسانية.

ويعود اختصاص المحكمة على فلسطين إلى إعلان فلسطيني قُدم في عام 2015 بقبول ولاية المحكمة الجنائية الدولية، ودخل نظام روما الأساسي حيز التنفيذ في فلسطين في نيسان/أبريل من العام ذاته.

وفي مارس 2021، أعلن الادعاء العام فتح تحقيق في الوضع بفلسطين بعد قرار الدائرة التمهيدية الذي أكد الاختصاص الإقليمي للمحكمة على غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

وتشكل هذه القرارات، سابقة قانونية مهمة في محاسبة القادة السياسيين والعسكريين على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، كما تفتح الباب أمام محاكمات قد تضع القيادة "الإسرائيلية" أمام مسؤولياتها الدولية، في حين تُثير تحديات سياسية ودبلوماسية على الساحة الدولية، حسبما أكدت المحكمة الجنائية الدولية في بيان القرارات.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد