لم يعد الطفل الفلسطيني أسامة صبابة يعي الوضع الذي يعيشه مع جدته داخل أحد مراكز اللجوء في مدينة غزة عقب خسارته أبيه وأمه وإخوته دفعة واحدة في مجزرة "إسرائيلية" ارتكبت بحق مئات النازحين إلى الخيام في ساحة مستشفى "اليمن السعيد" بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

فقد أسامة القدرة على المشي إلا أنه لم يفقد ابتسامة الأطفال وبراءتهم في سرد وقائع الأحداث بكلمات متلعثمة وارتباك يعلوه استحياء من الكاميرا.

ورغم هول ما شهده، لا يزال الطفل الصغير يتذكر ما حدث معه ليلة المجزرة وكيف استهدفت طائرات الاحتلال عائلته واحداً تلو الآخر أمام عينيه.

يعي أسامة جيداً كيف ارتقى والده ثم أمه ثم إخوته تباعاً بعد احتراق خيمتهم التي بالكاد وجدوها بعد رحلة نزوح بائسة من مشروع بيت لاهيا إلى مستشفى اليمن السعيد داخل ساحة صارت تؤوي خيام النزوح بمخيم جباليا.

ويسرد الطفل أسامة شيئاً فشيئاً ما جرى يوم أن نزحوا ومن ثم وقوع المجزرة ويقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "كنا في جباليا البلد دخلوا علينا اليهود وطلبوا منا الخروج منها ثم ذهبنا الى حي التفاح ثم لحي الدرج ثم ذهبنا على منطقة أبو تمام ثم رحنا على اليمن السعيد".

استشهد والده وبعده أمه ثم احترقت الخيمة وفيها إخوته

لم تكاد تمر أيام قليلة على رحلة نزوح عائلة صبابة كسائر العائلات الفلسطينية التي مارست عليها سلطات جيش الاحتلال سياسة التهجير القسري من منازلها شمالي قطاع غزة الذي تعرض لعدة عمليات عسكرية آخرها ما يجري منذ أكثر من 40 يوماً من حصار وتدمير وتجويع وإبادة لسكانه تنفيذاً لخطة "الجنرالات الإسرائيلية" بتفريغ الشمال من سكانه وتحويلها لمنطقة عازلة.

ويتابع أسامة وقد ثقل عليه الحديث من واقع الذاكرة التي تغفو حيناً وتصحو حيناً آخر: "رموا علينا قذيفة هناك واحترقت الخيمة واستشهدوا جميعا أولهم والدي حينما طلب منا النزول إلى البدروم إلا أن الصاروخ قد أصابه ثم خلفه استشهدت أمي ثم اشتعلت الخيمة بمن فيها وقد لحقهم إخوتي جميعاً".

بقي أسامة وحيداً ومصاباً مثقلاً بآلام لا نعلم أيدركها أم يظن نفسه لم يصحو بعد من ذلك الكابوس الذي لا يزال يطارده في ساق أصيبت بالشلل نتيجة قذيفة انهالت عليه وأصابت رأسه ويده قبل أن ينجو بنفسه، وتنتشله طواقم الإسعاف نحو أحد المستشفيات التي لم تتمكن من استقباله لانعدام الأسرّة والأطباء رغم حاجته لعملية جراحية.

تلقى أسامة بعض العلاجات الممكنة في غزة وفقد ساقه

نقل الطفل الصغير إلى مستشفى المعمداني في مدينة غزة لتلقي بعض العلاجات التي لم تف بالغرض، فنقص الأدوية وانعدام المستلزمات الطبية بات علة أصابت القطاع الصحي شبه المنهار برمته في مختلف أنحاء قطاع غزة.

ويعيش أسامة في الوقت الحالي مع جدته التي قدمت إلى مستشفى المعمداني من أجل اصطحابه للعيش معها بعد أن صار وحيداً ولم يتبق له أحد من عائلته ولم يعد قادراً على المشي مرة أخرى بفعل الشلل الذي أصاب ساقه اليمين، فيما إصابة أخرى ما زال يعاني منها في يده.

أسامة طفل من آلاف الأطفال المصابين والمرضى الذين هم بحاجة إلى علاج طبي ورعاية لا توجد في مستشفيات قطاع غزة، التي تعمل بأدنى قدراتها مع استمرار استهدافها من قبل جيش الاحتلال "الإسرائيلي" بالغارات والقصف والاقتحامات، ومنع تزويدها بالمستلزمات الطبية والأدوية ما جعل 12 ألفاً و400 مصاب ومريض في القطاع بحاجة إلى العلاج في الخارج ولا يتمكنوا من السفر بسبب سيطرة جيش الاحتلال على المعابر.

وكانت طائرات الاحتلال "الإسرائيلي" قد ارتكبت مجزرتين في ساحة مستشفى اليمن السعيد داخل مخيم جباليا شمالي قطاع غزة في إطار أحد عملياتها العسكرية التي شنتها على المخيم مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استشهد خلالها عشرات الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء فيما أصيب آخرون بجروح وحروق نتيجة اشتعال خيام النازحين.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد