مع مرور نحو 15 شهراً على حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال "الإسرائيلي" ضد قطاع غزة، لا تزال شهادات المعتقلين الفلسطينيين تُظهر تفاصيل مروعة عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم أثناء اعتقالهم، وبعد نقلهم إلى سجون ومعسكرات الاحتلال.
هذه الشهادات، التي جمعتها المؤسسات الحقوقية الفلسطينية عبر زيارات لمجموعة من المعتقلين في سجن النقب ومعسكر سديه تيمان، كشفت عن مستوى غير مسبوق من التعذيب والإذلال والحرمان.
المعتقل (خ. و) أفاد لمؤسسات الأسرى أنه تعرض للضرب المبرح أثناء اعتقاله خلال محاولته التنقل عبر "الممر الآمن"، وقال إنه تعرض للتنكيل دون أي تحقيق أولي أو حتى التحقق من هويته، كما أجبر على خلع ملابسه وارتداء لباس أبيض قبل أن يُنقل إلى منزل قريب حيث تعرض للضرب الممنهج باستخدام البساطير وقطع الخشب، مما أدى إلى كسر يديه الاثنتين.
ولم يتلقّ الأسير أي علاج طبي، بل بقي مقيداً ومعصوب العينين أثناء نقله بالسيارة الإسعاف؛ بسبب وضوح آثار الإصابات على ذراعيه، مؤكداً أن الجبس كان لا يزال على يديه أثناء الزيارة، وكان مقيداً من أعلى ذراعيه للخلف.
أما المعتقل (س.ل)، فقد أكد أنه اعتقل أثناء نزوحه مع عائلته إلى الجنوب. تعرض للضرب المبرح باستخدام البساطير، مما تسبب له بألم شديد وصعوبة في التنفس. تم نقله بعد ذلك إلى باص ثم إلى معسكر سديه تيمان، حيث تعرض للضرب المنهج مرة أخرى.
كما تم احتجازه في ظروف قاسية، حيث أجبر على توقيع أوراق باللغة العبرية دون معرفته بمحتواها بعد جلسات تحقيق متواصلة استمرت لمدة ستة أيام، وكان معصوب العينين طوال الوقت. بعد مرور 45 يومًا على اعتقاله، عقدت له جلسة مدتها دقيقة واحدة فقط، حيث وجهت له تهم دون السماح له بالحديث، وأقر القاضي باستمرار اعتقاله "حتى إشعار آخر".
الظروف الاعتقالية القاسية
تشير الشهادات إلى تحول "الفورة" -وهي الفرصة الوحيدة للأسرى للخروج من الزنازين إلى ساحة السجن - إلى أداة لإذلال الأسرى. ففي معسكر سديه تيمان، لا تتعدى فترة الفورة خمس دقائق، ويتم خلالها الصراخ على الأسرى وإجبارهم على طأطأة رؤوسهم ومنعهم من الحديث فيما بينهم. من يحاول الحديث يتعرض للتنكيل.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني إدارة المعسكر من نقص حاد في توفير الملابس المناسبة، ومنذ بداية الحرب، صادرت إدارة السجون ملابس الأسرى وأبقت غياراً واحداً لكل أسير.
ورغم الخطوات القانونية التي بذلتها المؤسسات الحقوقية، بما في ذلك تقديم التماسات، إلا أن بعض المعتقلين ارتدى نفس الملابس لأكثر من 70 يوماً، ويتم السماح بتغيير الملابس الخارجية مرة واحدة فقط كل شهر.
وفيما يتعلق بنظافة الأسرى، أكدت الشهادات أن إدارة معسكر سديه تيمان توفر قطعة صابون صغيرة فقط لتسعة أسرى للاستحمام، ولا توفر أي نوع من أدوات التنظيف، وهذا الوضع أدى إلى انتشار مرض الجرب بين صفوف المعتقلين، لكن إدارة المعسكر تتجاهل الأمر ولا تقدم أي علاجات مناسبة.
وفي سجن النقب، تستمر الانتهاكات الصحية بحق الأسرى، حيث يعاني العديد منهم من آثار مرض الجرب (السكايبوس) منذ أشهر.
من بين 18 أسيراً زارتهم الطواقم القانونية، أصيب معظمهم بهذا المرض، وقد أدى إلى استشهاد اثنين من الأسرى: محمد منير موسى ومعتز أبو زنيد، كما تمارس إدارة السجن سياسات تجويع وإذلال أخرى بحق الأسرى، حيث يعانون من نقص في الغذاء والرعاية الصحية.
استحدث قوات الاحتلال عدة معسكرات لاحتجاز معتقلي غزة، أبرزها سديه تيمان، عناتوت، نفتالي، بالإضافة إلى معسكر داخل حيز سجن عوفر.
وهذه المعسكرات أصبحت رمزاً لجرائم التعذيب والانتهاكات الجنسية والتعذيب النفسي والجسدي. معسكر سديه تيمان بات يُعتبر الأكثر شهرة بجرائم التعذيب المنهجية، بما في ذلك عمليات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية.
الأرقام والحقائق
حتى اليوم، لا يوجد تقدير دقيق لعدد المعتقلين من غزة، لكن إدارة سجون الاحتلال أعلنت في بداية شباط/فبراير عن وجود 1802 معتقلاً صنفتهم كـ"مقاتلين غير شرعيين"، منهم ثلاث أسيرات محتجزات في سجن الدامون وعشرات الأطفال في سجن مجدو ومعسكر عوفر.
ويقدر عدد حالات الاعتقال من غزة بالآلاف، لكن الإخفاء القسري الذي فرضه الاحتلال يجعل من الصعب رصد هذه الأرقام بدقة. كما أدى التعذيب والإهمال الطبي إلى استشهاد 37 معتقلاً من غزة، بالإضافة إلى 58 معتقلاً آخر منذ بدء الحرب، بينما لا تزال أسماء آخرون مجهولة.
وجددت هيئة الأسرى ونادي الأسير مطالبتهما للمنظومة الحقوقية الدولية باتخاذ خطوات فاعلة لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي ينفذونها بحق الشعب الفلسطيني. وأكدتا ضرورة فرض عقوبات على الاحتلال لإنهاء حالة الحصانة الاستثنائية التي تمنحها له دول الاستعمار القديم.