الأردن - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

تقرير: تامر خرمه

ما تزال قضيّة اللاّجئين الذين نزحوا من المخيّمات الفلسطينيّة في سوريّة إلى الأردن حتّى اليوم أسيرة الإهمال والنكران، حيث تجري مصادرةُ أبسط حقوقهم الإنسانيّة تحت عناوين أمنيّة وأخرى سياسيّة، تتّصل بملفّ ما يدعى بـ "الوطن البديل".

 وما يثيرُ التساؤل في هذه القضية موقف الحركة الوطنيّة الأردنيّة تجاه تحسين الظروف المعيشيّة للاجئين الفلسطينيّين القادمين من سوريّة، ومنحهم حقّ العيش بكرامة، خلال إقامتهم على الأراضي الأردنيّة، إذ تُلغى جميع هذه الحقوق تحت مبرر مناهضة كافّة السياسات الإستعماريّة الهادفة إلى جعل الأردن "وطناً بديلاً" للشعب الفلسطيني، الأمر الذي من شأنه تصفية القضيّة الفلسطينيّة، ومصادرة حقّ العودة.

 

بيد أن كل ما يحلم به هؤلاء اللاجئون هو مجرّد العيش الكريم، بعد أن بات وجودهم على الأراضي الأردنيّة، كأشقّائهم السوريّين  أمراً واقعاً، ومن المبالغ فيه اعتبار تحسين ظروف حياتهم مسألة تهدّد القضيّة المركزيّة للشعب العربي.

و الغريب أن المزاج السياسي العام مازال مصرّاً على خلط الأوراق، وعدم التفريق بين المطالب المتعلّقة بالحقوق الاجتماعيّة والإنسانيّة، وبين دعوات التجنيس المستندة إلى دوافع سياسيّة.

مؤخراً، اعتصم أهالي مخيّم غزّة احتجاجا على قرارات الحكومة الأردنيّة برفع رسوم تجديد جوازات السفر المؤقّتة التي يحملونها من 35 دولاراً إلى 281 دولاراً. ما تجدر الإشارة إليه هنا أن كثيراً من أهالي المخيّم يعتمدون، نتيجة حرمانهم من حقّ العمل، على أقاربهم الذين يعملون خارج الأردن لتسديد فواتير العيش.

واقع أهالي هذا المخيّم، الذين مازالت معاناتهم مستمرّة منذ خمسين سنة، لا يبشّر بأيّ أمل، فيما يتّصل بملف اللاّجئين الفلسطينيين من سوريّة، والذين كان منهم من يحمل الجنسيّة الأردنيّة، قبل أن تسحبها  السلطات لأسباب "أمنيّة".

هذا وتقدّر "الأونروا" عدد اللاجئين الفلسطينيّين من مخيّمات سوريّة إلى الأردن  بـ 20 ألف لاجئ، يقيم غالبيّتهم عند أقارب وعائلات مضيفة، ويتلقّون نصف ما يتلقّاه أشقّاؤهم السوريّين من مفوّضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين.

 وبين نكران وكالة الأونروا وإجحاف المفوّضيّة، حرم هؤلاء اللاجئون من أبسط فرص العيش الكريم، أمّا الدعوات المستمرّة بإنصافهم، فمازالت تواجه برفض مطلق، تحت عنوان "لا صلة لنا بمطالبهم".

أبو جهاد، الذي لجأ إلى الأردن قبل أربع سنوات، يروي حكايته لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين واصفاً إيّاها بالإذلال المستمرّ ، يقول إن  المساعدات تُقدَّمُ لهم بشكل متقطعٍ، ونادراً ما تنتظم،  فيما يواصل مندوبو "الأونروا" الكشف على واقعه المعيشيّ للتأكّد من ظروفه بإستمرار.

 يضيف أبو جهاد، الذي يعيل أسرة مكوّنة من 11 فرداً إنه قام بتسجيل أسماء أفراد العائلة كلاجئين بمجرّد وصولهم، وبعد 15 يوماً تلقّى أوّل المساعدات، والتي كانت عبارة عن "فرشيتن" و4 "بطّانيّات" وبضعة أواني للطهي.

ويؤكّد أن المساعدات المتعلّقة بتسديد إيجارات السكن وصلت مرّة واحدة فقط، ولم تشمل إلاّ بعض اللاجئين المقيمين في حيّه بمدينة الزرقاء.

عمله المتقطّع في تمديد وصيانة أنابيب المياه، لا يكاد يكفي الأسرة لبضعة أيّام، وما يزيد الطينة بلّة هو رفض وزارة التنمية الاجتماعيّة تقديم المعونة العلاجيّة لوالديه، رغم أنّهما يحملان أرقاما وطنيّة أردنيّة، بسبب ورود اسم شقيقه في دفتر العائلة الذي بحوزتهما، ما يعني وفقاً للجهات الرسميّة أنّه يوجد لديهما من هو قادر على إعالتهما، لكن المشكلة أن هذا "المُعيل" مازال محاصراً في مخيّم اليرموك، إلا أن الوزارة تطلب دليلاً على هذا.

ولشقيقة زوجته التي تقيم مع أسرته حكايةٌ أخرى، فقد سمحت السلطات لها ولإبنتيها بدخول الأراضي الأردنيّة، غير أن زوجها مُنع من ذلك كونه -بعكسها- لا يحمل الجنسيّة الأردنيّة.

 الزوجة التي كانت بانتظار مولودها الجديد وجدت نفسها أمام واقع من الصعب وصفه بكلمات عابرة.

واستمرّت معاناتها عندما وضعت مولودها، حيث أن الجهات المانحة لم تغطِّ سوى 20% من كلفة العمليّة التي خضعت لها، واليوم تواجه تهديد المستشفى برفع دعوة قضائيّة بحقّها، نظراً لعجزها عن دفع ما ترتّب عليها من مستحقّات.  

كثيرة هي الحكايا التي تسرد معاناة اللاجئين الفلسطينيّين القادمين من سوريّة إلى الأردن، خاصّة أولئك الذين يحملون الوثائق السوريّة، والذين تقرّر نقلهم من رعاية مكتب إقليم دمشق التابع لوكالة الأونروا إلى رعاية مكتب إقليم الأردن، وبالتالي شحّ ما قد يتلقّونه من مساعدات، ولكن جوهر الأزمة يتمثّل برفض السلطات الأردنيّة الاعتراف بن أوضاعهم كلاجئين، واعتبارهم "ظرفا خاصّاً".

ومن اللافت،  غياب أي دور مُساند لهؤلاء اللاجئين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية المفترض أنها "الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".

 وفيما يبرر مسؤولون في المنظمة بأنها  محرومة من الاضطلاع بدورها كممثل للاجئين الفلسطينيين في الأردن – لخصوصية هذا البلد تجاه الفلسطينيين الممتدة منذ أحداث أيلول الأسود – يبرز تساؤل حول دور أحزاب - تشكل امتداداً لفصائل المنظمة ونالت ترخصياً كأحزاب أردنية-  في رعاية هؤلاء اللاجئين القادمين من سورية.

يقول البعض إن هذه الأحزاب لا تتردّد في تنظيم التظاهرات والإعتصامات داخل المخيّمات الفلسطينيّة وخارجها، عند كلّ محطّة سياسيّة قد تحقّق لها بعض المكاسب، ولكن عندما يتعلّق الأمر بمسؤوليّة اجتماعيّة يفترض بهذه الأحزاب تحمّلها، فإنّها تنسحب إلى أقرب ظلّ، رغم أن السلطات الأردنيّة لن تمنعها من الاضطلاع بمثل هذا الدور.

 ومع تنصل كافة الجهات المعنية من مسؤولياتها وواجباتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، تستمر معاناة هؤلاء اللاجئين الذين تم ترحيل كثير منهم وأُعيد قسراً إلى الأراضي السوريّة، قبل أن يتمّ اعتقاله وتعذيبه داخل سجون  سجون النظام السوري.

ومن الصعب توثيق كافّة الحالات التي تعبّر عن مأساة هؤلاء اللاجئين، الذين بات اللجوء المستمر قدرهم.

حتّى من نجح منهم بدخول الأراضي الأردنيّة، نظرا لامتلاكه الوثائق الرسميّة التي تمكّنه من ذلك، فلايزال في هروب مستمرّ من جحيم الفقر والعوز، ولا يزال أسيرالترقّب الدائم، لمصير أشقّائه أو أقاربه، الذين مازالوا ينتظرون الموت خلف الحدود.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد