مع حلول شهر رمضان هذا العام، يحمل المخيم الفلسطيني، بصيص أمل جديد رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تزال تلقي بظلالها على حياة اللاجئين. فبعد أنّ مرّ رمضان الفائت بغياب شبه كامل لأجواء الشهر الكريم؛ بسبب الحرب "الإسرائيلية" على غزة ولبنان وما ألقته من مرارة على اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، والأوضاع الاقتصادية المتردية، عادت الزينة الرمضانية لتضيء الأزقة والنوافذ، ليس لأن الظروف تحسنت، بل لأن إرادة الحياة لدى اللاجئين، تدفعهم لاجتراح أسباب البهجة والفرح في الشهر الفضيل.
في لفتة تعكس صمود اللاجئين الفلسطينيين، قررت العائلات داخل مخيم بعلبك للاجئين ألا يمرّ رمضان كغيره من الأيام، حتى لو كانت الإمكانيات محدودة. عند مدخل منزلها المتواضع، وقفت أم محمود، وهي تعيد ضبط الأضواء القديمة، وتُعلّق هلالًا صغيراً على النافذة. ابتسمت وقالت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "ليس لأن الظروف تحسنت، لكننا لا نريد أن نبقى أسرى للحزن. يجب أن يشعر الأطفال بفرحة رمضان ولو بزينة بسيطة".
هذه الكلمات تعكس الإصرار الذي يميز اللاجئين الفلسطينيين، حيث تحاول العائلات استعادة أجواء الشهر الفضيل بأبسط الوسائل، رغم غياب أي تحسن ملموس في الأوضاع المعيشية.
مسيرة رمضانية تنثر البهجة في الشوارع
في ليلة الإعلان عن دخول رمضان، شهد المخيم مسيرة احتفالية نظمتها الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، جابت الشوارع الرئيسية، وأعادت إلى النفوس شيئاً من البهجة. حمل المشاركون الفوانيس والأضواء الرمضانية، بينما ردّد الأطفال بصوتٍ عالٍ: "أهلاً أهلاً رمضان".
وتقدم الكشافة المسيرة بالأناشيد الدينية، ورفعت اللجان الشعبية شعارات الترحيب بالشهر الكريم. كان المشهد لحظة استثنائية في مكانٍ لم يعرف سوى الألم خلال السنوات الماضية. هذه المسيرة ليست مجرد حدثٍ اجتماعي، بل رسالة بأن الحياة تستمر، وأن طقوس رمضان ستظل جزءاً لا يتجزأ من هوية اللاجئين الفلسطينيين.
على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب، بدأت بعض العائلات بالتسوق لشراء الزينة الرمضانية، وإن كانت الحركة أقل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب. أبو جود، صاحب أحد محال الزينة في المخيم، وصف الحال لموقعنا قائلاً: "العام الماضي، لم يقترب أحد من البضاعة. الآن، هناك زبائن بتردد، يشترون أشياء صغيرة وبأسعار مدروسة. الجميع يريد أن يشعر بأجواء رمضان، حتى لو كان ذلك عبر فانوس صغير أو شريط زينة".
يشير أبو جود إلى أن الناس، رغم كل ما يواجهونه من تحديات، يسعون لاستعادة الروح الرمضانية بأبسط الإمكانيات، مشدداً على أهمية هذه الخطوة في إحياء ذكريات جميلة للأطفال الذين نشأوا وهم يشاهدون المخيم غارقًا في الظلام خلال السنوات الأخيرة.
المحلات الغذائية: الأولوية للطعام ولكن رمضان له مكانه
داخل الدكان الصغير لأبو عبد الله، يشاهد الزبائن وهم يختارون احتياجاتهم الأساسية بدقة، ويحسبون أسعارهم مراراً قبل الشراء ويقول: "الأوضاع المعيشية صعبة للغاية، والناس تحاول توفير احتياجات رمضان الأساسية بالكاد. البعض لا يستطيع شراء الزيت أو السكر بكميات كافية، لكنهم رغم ذلك يضيفون لمسة رمضانية إلى مشترياتهم، مثل فانوس صغير أو شريط زينة".
إنها رسالة واضحة بأن الشهر الكريم يظل جزءاً من هويتهم، حتى لو كانت موائدهم أكثر اقتصاداً من السابق، فاللاجئون يسعون إلى تحقيق نوع من التوازن بين الواقع المرير والطقوس الجميلة التي تعيد إليهم شعوراً بالأمل.
إبداع في صنع الزينة بجهود فردية
وتحل المبادرة الشخصية في المخيمات، لتسد عجز الإمكانيات عن الشراء في ظل الفاقة المادية، وهو ما يعكس روح المقاومة والتحدي التي تميز اللاجئين الفلسطينيين، حيث تُسْتَخْدَم الإمكانات المتاحة لإحياء ذكريات رمضان الجميلة، ورسم الابتسامة على وجوه الأطفال.
وفي ظل عدم قدرة العديد من العائلات على شراء الزينة الجاهزة، لجأت بعض الأمهات إلى صنعها بأيديهن. كاللاجئة فرح وهي وأم لثلاثة أطفال عمدت على فعل هذا الأمر، وقالت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "قررت أن أصنع الزينة بنفسي في المنزل. عندما رأى أطفالي الأشكال الملونة التي صنعتها، شعروا بأن رمضان قد حلّ حقاً. ليس بالضرورة أن تكون الزينة مكلفة أو جاهزة، يمكننا إعادة البهجة بأبسط الوسائل".
رمضان في الضفة الغربية: حزن مستمر ولكن الحياة تستمر
أما في الضفة الغربية، فلا تختلف الصورة كثيرا عن المخيمات اللبنانية، وبقي ألم تلك المخيمات غصة في حلوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويصف المشهد، مصطفى، وهو صاحب محل صغير في المخيم ويقول: "الأوضاع هنا سيئة للغاية، لكننا لن ندع الحزن يسيطر علينا بشكل كامل. نحاول قدر الإمكان تسهيل الأمور على الناس، لأن الحياة تستمر رغم كل شيء. رمضان كريم، ويجب أن يكون له لمسة خاصة حتى في أحلك الظروف".
على الرغم من أن المخيم الفلسطيني لم يعد كما كان قبل الحرب، إلا أنه لم يبقَ كما كان خلال سنوات الظلام، فالزينة التي غابت لعامين عادت اليوم، وإن كانت متواضعة. لم تكن الفوانيس كبيرة، ولم تكن الأضواء براقة، لكنها كانت كافية لقول: "رمضان هنا، والحياة تستمر".