يستمر العدوان "الإسرائيلي" على مخيمي مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، ففي مخيم طولكرم يتواصل العدوان لليوم الـ 48 على التوالي وفي مخيم نور شمس يتواصل العدوان منذ 35 يوماً، وسط تصعيد غير مسبوق شمل عمليات هدم طالت عشرات المباني ومداهمة مكثفة للمنازل وإجبار سكانها على الخروج منها بالقوة، مع استمرار الحصار والاقتحامات واستقدام تعزيزات عسكرية والاعتداء على الفلسطينيين.
وتجاوزت أعداد النازحين من المخيمين 24 ألف نازح مع إخلاء مزيد من المنازل والحارات، فيما لا يزال النازحون في مراكز الإيواء وبلدات المدينة يعيشون ظروفاً قاسية وصعبة، خاصة في ظل تزامن العدوان مع شهر رمضان المبارك.
وعقب نزوح 85% من اللاجئين الفلسطينيين إلى خارج المخيمين بفعل بطش جيش الاحتلال وهدم المنازل ونسف البنية التحتية، تكتظ بعض المدارس في البلدات القريبة من طولكرم بالنازحين، لتتحول مهمتها من استقبال الطلاب وتعليمهم إلى إيواء المكلومين والمشردين.
مدرسة عبد الرحيم الموحد في ضاحية ذنابة بمدينة طولكرم مركز إيواء جهز خصيصاً لاستقبال النازحين من مخيمي طولكرم ونور شمس، تستقبل عشرات العائلات التي صار جل أمنياتها العودة قريباً إلى المخيمين.
يؤكد نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور حسن خريشة أن "هذه المدرسة جهزت من أجل إيواء العائلات الفلسطينية المهجرة لتأمين حياة مستقرة وهادئة لها من واقع الواجب الفلسطيني الذي اعتاد عليه الشعب الفلسطيني الملتزم بالتكافل الاجتماعي مع بعضه البعض".
الهدف الرئيسي إلغاء فكرة وجود فكرة
ويوضح خريشة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن الاحتلال زاد عدد هحماته واقتحاماته على المخيمات في الضفة الغربية منذ 2021، وكان هذه الاقتحامات تحت عنوان "اجتثاث المقاومة الفلسطينية"، ولكن هذا لم يكن هدفه فقط، بل عمل على تدمير البنية التحتية وحرق البيوت واتخاذها ثكنات عسكرية لمراقبة كل ما يجري بالمخيم ومحيطه وتهجير الناس تحت وطأة السلاح وتدفيع اثمان باهظة لمن لا يخرج.
ويتابع بأن الهجوم الأخير على مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين والمستمرة منذ 54 يوماً، يهدف إلى تحقيق فكرة إنهاء وجود المخيمات، كون المخيم هو الشاهد الحي على نكبة الشعب الفلسطيني منذ 76 عاماً، ويريد الاحتلال لهذه الذاكرة أن تنتهي وأن ينتهي المخيم.
ويؤكد خريشة أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" يعمل في مخيمي طولكرم ونور شمس على شق الأزقة الصغيرة في المخيمات التي يبلغ عرضها متراً أو مترين، ويتوسع طولاً وعرضاً 20 مترا ًفي إطار خطة لجعل المخيم ضاحية من ضواحي المدن.
ويقول: إن تغيير معالم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هي خطوة على طريق إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم، عقب خطوة خطيرة جداً أقدم عليها الاحتلال "الإسرائيلي" وهي حظر عمل وكالة "أونروا" التي تقوم على تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين وفي المخيمات إلى حين عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها.
موضوع ذو صلة: بالدموع والغصة.. لاجئون فلسطينيون في مخيم نور شمس راقبوا هدم منازلهم
الاحتلال يحاول فرض التعايش بين جنوده والفلسطينيين
ويرى خريشة أن هدف إعادة احتلال شمالي الضفة الغربية، يبدؤه من مخيماتها وتهجير من فيها وإلغاء معالم وهيكلية المخيم بصورة أو أخرى، حتى لا يكون هناك مخيم يقول الفلسطيني: إنه يقيم فيه إقامة مؤقتة لحين العودة الى أرضه المحتلة عام 1948، مضيفاً أن ما يرتمكب حالياً من عدوان شرس هو من أجل إلغاء هذا من ذاكرة الفلسطينيين.
وتحدث خريشة عن محاولة الاحتلال اتباع وسائل أخرى لفرض وجوده، كفرض تعايش الفلسطيني مع الجندي "الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن هذا الأمر خطير جداً، لاسيما أنه حاول ذلك مسبقاً لكنه فشل "لأن الفلسطيني يؤمن أن العلاقة الطبيعية مع الاحتلال علاقة صدمة وليست تعايش".
من جهته، يؤكد رئيس اللجنة الشعبية بمخيم نور شمس نهاد الشاويش لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن الناس نزحوا قهراً من مخيماتهم في طولكرم وعلى غير إرادتهم، نتيجة اقتحام الاحتلال منازلهم وإطلاق النار عليهم في البيوت.
ولفت الشاويش إلى معاناة النازحين داخل مراكز الإيواء، واصفاً بأنه لا يوجد مقومات حياة محترمة لهؤلاء الناس حيث لا يوجد فراش وأغطية ولا غذاء ولا دواء، وان وجد فهو أقل من الاحتياجات بكثير.
ألم على المنازل المهدمة وإصرار على البقاء
ويوافق شاويش عضو المجلس التشريعي الرأي في أن الاحتلال يسعى لتهجير مخيمات الشمال من سكانها حتى يلغي قضية اللاجئين وحق العودة، مشيراً إلى الأساليب البشعة التي يتبعها الاحتلال من تجريف الأراضي وتدمير كل شيء داخل المخيمات.
ويتابع الشاويش: "سنعود إلى المخيم وسنبقى هناك رغم كل ما يحصل لأنه محطة للعودة الى الأراضي المحتلة عام 1948"، هناك هذا عهد قطعه أجدادنا وآباؤنا على أنفسهم ونحن نقطع هذا العهد لأبنائنا لنبقى أوفياء للشهداء والجرحى وللمخيم لأزقة المخيم وشوارعه وحاراته".
ويعبر الشاويش عن تأثره البالغ بهدم بيوت المخيم، قائلاً: إننا نبكي بحرقة على هدم البيوت في مخيم نور شمس، والألم يعصف بقلوب أهله وهم يفقدون مأواهم يث تُمحى الذكريات ويُشرَّد الأبرياء، "أعلم تمامًا ما يعنيه هدمُ بيتٍ بناه الجد أو الأب بجهدٍ وسنواتٍ طويلة؛ فهذه البيوت ليست مجرد جدرانٍ، بل هي كرامةٌ تُستهدف، وعنوانٌ ثابتٌ على طريق التحرير، إنها رمزٌ للاستقلال، وهي فلسطينُ بأكملها، المنازلُ ليست حجارةً فقط، بل هي عنوانُ صمودِنا، ورايةُ عودتنا، وتجسيدُ البطولة والتضحية".