على غير عادتها، تستقبل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن العيد هذا العام بتثاقل كبير، في ظل نفوس أعيتها الأعباء الاقتصادية وتراكم الأحداث المؤلمة التي يشهدها قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف، والتي ألقت بظلالها على الحياة الاجتماعية داخل المخيمات، حيث باتت المواسم مقتصرة على الطقوس والعبادات الدينية فقط.
وتعاني هذه المخيمات بالأصل من وضع اقتصادي ومعيشي معقد، نتيجة ندرة فرص العمل وارتفاع تكلفة الحياة العامة، ما يجعل قدوم المواسم الدينية كرمضان والأعياد هماً ثقيلاً على العائلات التي تواجه تحديات كبيرة أمام الاستعداد للعيد وتجهيزاته الباهظة.
ورصد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، من خلال لقاءات مع نشطاء وأهالي في عدد من مخيمات اللاجئين في الأردن، مظاهر استقبال موسم العيد لهذا العام، وأبرز التحديات التي تواجه العائلات الفلسطينية اللاجئة.
فقر مدقع وبطالة مستشرية داخل مخيم غزة والأسواق فارغة إلا من الباعة
في مخيم غزة، الواقع في محافظة جرش شمال المملكة الأردنية، والذي يقطنه لاجئون فلسطينيون يُعرفون بـ"أبناء قطاع غزة في الأردن"، بدت ملامح العيد شاحبة وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية، حيث ظهرت الأسواق شبه خالية من المشترين، مقابل تكدّس البضائع لدى الباعة.
يقول الناشط الفلسطيني والمقيم في مخيم غزة أحمد عمرة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "العيد ناقص مقارنة بالأعياد السابقة فالأوضاع الاقتصادية صعبة للغاية وهناك الكثير من العائلات لم تشتر لأبنائها ملابس العيد وهو أمر هام بالنسبة للأطفال الذين يتمنون ان يفرحوا بالعيد وبالملابس الجديدة".
ويعزو عمرة هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية إلى قرارات الحكومة الأردنية التي تمنع أبناء قطاع غزة في الأردن من العمل في أكثر من 80 مهنة، ما أثر سلباً على دخل الأفراد والعائلات، وساهم في تفشي البطالة بين الشباب، إذ يقتصر العمل بتلك المهن على من يحمل رقمًا وطنيًا، بينما لا يحمل اللاجئون سوى جواز مؤقت لإثبات الشخصية.
ويرى عمرة أن فرص أبناء قطاع غزة في العمل ضئيلة جداً، لا سيما أنهم يجيدون الأعمال الحرة مثل البناء والحدادة، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية في الأردن عمومًا سيئة، ولا تتوفر أي فرص عمل للاجئين.
وقد أظهرت صور من داخل المخيم أسواقًا فارغة تمامًا، مع انعدام شبه تام في الحركة الشرائية، وتكدّس للبضائع في المحال التجارية، حيث ذكر عمرة أن نسبة البطالة في المخيم بلغت نحو 50% في أوساط الشباب العاطلين عن العمل.
ويؤكد عمرة أن الحزن أيضاً يُخيّم على أبناء مخيم غزة في الأردن، جراء العدوان "الإسرائيلي" المستمر على أهالي قطاع غزة، حيث لم تتوقف بيوت العزاء حدادًا على أرواح الشهداء، لا سيما في ظل الامتداد العائلي بين المخيم والقطاع، فكلما استشهد شخص هناك، أقام أقاربه هنا في المخيم بيت عزاء.
مؤسسات خيرية بمخيم البقعة وجّهت دعمها هذا العام لأهالي قطاع غزة
في مخيم البقعة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، اقتصرت مظاهر العيد، كما كانت خلال رمضان، على الطقوس الدينية، حيث حالت الظروف الاقتصادية الصعبة دون قدرة العديد من العائلات على شراء كسوة العيد لأبنائها، فيما ألقت المأساة المتواصلة في غزة بظلالها على مشاعر السكان.
هيثم أبو اسعيد، عضو لجنة خدمات مخيم البقعة، قال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:" المخيم يعيش أوضاع اقتصادية صعبة وكثير من طقوس العيد متأثرة بحكم هذا الواقع حيث يتفاعل السكان مع الطقوس الدينية المتعارف عليها".
وعن تلبية احتياجات العيد، تحدّث أبو اسعيد عن أن كسوة العيد باتت عبئاً ثقيلاً على أهالي المخيم، خاصة في ظل الارتفاع المتواصل لتكاليفها، ما يجعل تأمينها تحديًا إضافيًا على العائلات.
وأوضح أبو اسعيد أن التكافل الاجتماعي موجود بشكل كبير داخل مجتمع المخيم، إلا أن نسبة الفقر المرتفعة وحجم الاحتياج الكبير يحدّان من قدرة الناس على الإنفاق في المجالات الاجتماعية والخيرية.
وأشار إلى أن العديد من المؤسسات الاجتماعية وجّهت دعمها هذا العام إلى غزة، وكان تفاعلها الأكبر مع القطاع، مشيرًا إلى أن سكان المخيم عبّروا عن سعادتهم بذلك، حتى لو تأثروا بالأمر، لافتاً إلى أن أهالي المخيمات يعتبرون فلسطينيي غزة والضفة أهلًا لهم.
ويرى الناشط في مخيم البقعة أن ما يحدث في غزة أحدث فرقاً ملموسًا داخل المخيم، الذي تأثر بشدة باعتبار القضية الفلسطينية هي بوصلة اللاجئين في كل مكان، ما جعل العيد يأتي هذا العام بطقوس فرح أقل من المعتاد.
مخيم الحصن استقبل العيد بوضع اقتصادي صعب وبهجة منقوصة
وفي مخيم الحصن للاجئين، لم تخلُ أجواء العيد ورمضان من المظاهر الدينية المعتادة، لكنها كانت مغلفة بالحزن والألم، نتيجة استمرار الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
ركان محمود، رئيس نادي الكرمل في مخيم الحصن، أكد في حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن العامل الاقتصادي هو السبب الثاني وراء غياب بهجة العيد عن المخيم، شأنه شأن باقي مخيمات اللاجئين، حيث يرزح الأهالي تحت وطأة الفقر الشديد.
وأشار محمود إلى أن الفقر المدقع هو ما حال دون قدرة الأهالي على شراء احتياجات العيد، إلى جانب شعور سكان المخيم بالغصّة والحزن لما يحدث للشعب الفلسطيني في غزة وبعض مخيمات الضفة الغربية.
ويؤكد محمود أن مؤسسات المجتمع المدني، ومنها "نادي الكرمل" و"الجمعيات الخيرية"، والتي بلغ عددها نحو 20، تلعب دوراً أساسياً في توفير احتياجات شهر رمضان المبارك وعيدي الفطر والأضحى.
وبيّن محمود أن هذه المؤسسات، التي لا تحظى بدعم حكومي كبير، تخوض سباقاً مع الوقت خلال المواسم للوصول إلى رجال الأعمال والمحسنين والشركات الكبرى من أجل جمع التبرعات، لتتمكن من تلبية احتياجات فقراء المخيم.
وأضاف أن ما وصفه بـ"الأحداث الثلاث الكبرى في المنطقة"، وهي "الخريف العربي، كورونا، العدوان الجائر على غزة"، أثّر بشكل مباشر أو غير مباشر على تدفقات دعم المتبرعين، إذ عانوا من تراجع اقتصادي كبير خلال عقد ونصف مضوا.
كما أشار إلى وجود ترتيب جديد لأولويات التبرعات، حيث تصدرت غزة قائمة المستحقين، نظرًا لحجم المأساة، ما أدى إلى توجيه معظم الدعم لها، وهو ما قوبل بترحيب من فقراء المخيم، الذين رأوا في ذلك واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا.
جانب من صلاة العيد في مخيم الحصن