كشف المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تمنع البنوك والمؤسسات المصرفية من إدخال أي كمية أو نوع من السيولة النقدية إلى القطاع منذ بدئها بحرب الإبادة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وذلك بالتزامن مع استهداف مقارّ تلك البنوك وأجهزة الصرّاف الآلي وتدميرها، ما أجبر غالبيتها على الإغلاق مما أدى إلى إنسانية واقتصادية خانقة.
وأعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء تفاقم أزمة السيولة النقدية في قطاع غزة كنتيجة مباشرة لجرائم الاحتلال "الإسرائيلي"، التي تستهدف تفكيك مقومات الحياة للسكان المدنيين، وعلى رأسها البنية المصرفية، من خلال التدمير المتعمد والحصار الشامل.
وحذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ هذه الممارسات تفرض عمدًا ظروفًا معيشية قسرية تؤدي إلى تدمير بطيء ومنهجي للسكان، وتشكل فعلًا من أفعال الإبادة الجماعية المحظورة بموجب القانون الدولي.
كما اعتبر الأورومتوسطي تلك الممارسات انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني، ومساسًا مباشرًا بالحقوق الأساسية للفلسطينيين، وفي مقدمتها الحق في الحياة، والكرامة الإنسانية، والمستوى المعيشي اللائق، والغذاء، والصحة، والسكن، والعمل.
وحول العواقب الناجمة عن الشحّ الحاد في السيولة النقدية بيّن الأورمتوسطي أن السكان اضطروا في ظل شلل شبه كامل في الخدمات المصرفية بما يشمل السحب والإيداع، إلى اللجوء إلى السوق السوداء للحصول على النقد، مقابل عمولات مرتفعة تستنزف ما تبقى من قدراتهم المعيشية.
وأوضح المرصد الحقوقي أنّ هذه الظروف فاقمت الأعباء المالية والاقتصادية والنفسية، لا سيما على الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها الأسر الفقيرة، التي باتت تُشكّل الغالبية الساحقة من السكان، نتيجة فقدان مصادر الرزق وتدميرها المتعمد ضمن سياسة "إسرائيل" المنهجية للتجويع والإفقار.
وذكر أن الموظفين وأصحاب الأعمال وحتى الأسر التي تعتمد على التحويلات المالية من الخارج، لم تعد تجد وسيلة للحصول على النقد سوى عبر قنوات غير رسمية يديرها عدد من التجار وأصحاب محالّ الصرافة ممّن يحتكرون السيولة النقدية.
مضيفاً أن هؤلاء التجار يستغلون حاجة السكان باقتطاع نسب تصل إلى 35% من قيمة المبلغ، في ظل غياب تام لأي رقابة أو مساءلة، نتيجة تقويض إسرائيل النظام العام وتفكيك منظومتي الأمن والعدالة في قطاع غزة على نحو منهجي.
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الغالبية الساحقة من سكان قطاع غزة فقدوا مصادر أرزاقهم بفعل جرائم القتل والإصابة التي طالت معيلي العائلات، فيما يُحرم من تبقى منهم ممن يتقاضون رواتب من الوصول إليها نقدًا.
مؤكداً أن ذلك فاقم من حدة الأزمة الإنسانية، إذ يعجز السكان عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء، والدواء، وتسديد الإيجارات، وتحمّل تكاليف النزوح والتنقّل الناتجة عن عمليات التهجير القسري.
ونوّه الأورومتوسطي إلى أنّ الأزمة تتصاعد يومًا بعد يوم في ظل الارتفاع الحاد في الأسعار، نتيجة النقص الكبير في المواد الأساسية بفعل الحصار غير القانوني الذي تفرضه "إسرائيل" على قطاع غزة، منذ أكثر من 50 يومًا، إلى جانب ندرة المساكن نتيجة التدمير الواسع والمنهجي، ما يضاعف من معاناة السكان ويقوّض قدرتهم على البقاء.
ودعا المرصد الحقوقي المجتمع الدولي لاسيما الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى اتخاذ تدابير عاجلة وملموسة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة بحق المدنيين في قطاع غزة.
وطالب بضغط دولي فوري لإلزام "إسرائيل" برفع الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة، بما في ذلك الحصار المالي، وتمكين إدخال السيولة النقدية، والرواتب، والتحويلات المالية، والمساعدات الإنسانية دون قيود، وضمان استئناف عمل البنية المصرفية بشكل كامل وآمن.
كما حثّ المرصد الأورومتوسطي على ضرورة فتح تحقيقات دولية مستقلة في استخدام السياسات المالية كأداة للإبادة الجماعية، وتفعيل آليات المحاسبة على الصعيدين الجنائي والدولي، بما يشمل ملاحقة الأفراد والجهات المتورطة في وضع هذه السياسات وتنفيذها.