تواصلت اليوم الثلاثاء 29 نيسان/أبريل، في مقر محكمة العدل الدولية بلاهاي، لليوم الثاني على التوالي، جلسات الاستماع حول قرار "إسرائيل" منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسط مشاركة واسعة من ممثلي الدول ومرافعات قانونية حمّلت الاحتلال "الإسرائيلي" مسؤولية قانونية وإنسانية عن تدهور الأوضاع في غزة، واعتبرت ممارساته انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي.
وتأتي هذه المداولات التي تمتد على مدار خمسة أيام، بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2023، عقب قرار "إسرائيل" في تشرين الأول/أكتوبر الماضي منع "أونروا" من مزاولة عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتركز المحكمة في نقاشاتها على شرعية الإجراءات "الإسرائيلية" وتبعاتها، وعلى التزامات "إسرائيل" القانونية كقوة احتلال وعضو في الأمم المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بتمكين وصول المساعدات الإنسانية، وضمان استمرار عمل الوكالات الأممية، وعلى رأسها وكالة "أونروا".
وامتنعت "إسرائيل" عن المشاركة في الجلسات الشفوية، لكنها قدمت بياناً مكتوباً للمحكمة. وتُعقد الجلسات برئاسة القاضي الياباني يوجي إيواساوا، ويشارك فيها ممثلو دول عدة، بينها جنوب أفريقيا، الجزائر، السعودية، بلجيكا، كولومبيا، بوليفيا، البرازيل، تشيلي، وإسبانيا.
في مداخلته، شدد السفير الكولومبي لدى هولندا، ماريشيو راميو، على أن بلاده تدعم بشكل واضح حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، مندداً باستخدام العنف لمنع المساعدات الإنسانية عن غزة.
واعتبر راميو أن "إسرائيل وضعت الفلسطينيين في وضع إنساني مستحيل "، مشيراً إلى أن "ممارسات إسرائيل كقوة احتلال غير قانونية"، وأن عليها "تقديم الدعم الكامل لأونروا لمواصلة عملها الحيوي الذي لا يمكن استبداله".
أما ممثل بلجيكا، أنطوان ميسون، فقال إن الحرب في غزة تضع القانون الدولي تحت اختبار قاسٍ، مؤكداً رفض بلجيكا لتصنيف إسرائيل لـ"أونروا" كـ"ذراع لحماس".
ووصف هذا التصنيف بأنه "غير عادل" و"انتهاك للقانون الدولي". وأضاف البروفيسور فايوس غيتروليس، ضمن وفد بلجيكا، أن "إسرائيل" أوقفت المساعدات الإنسانية مجدداً في آذار/مارس، وأن غزة تواجه مجاعة وأزمة صحية حادة.
وانتقد استهداف عمال الإغاثة، مشيراً إلى أن "المصالح العسكرية لا تبرر انتهاك القانون"، وأن على القوة المحتلة ضمان النظام والحياة المدنية.
وقال ممثل السعودية، محمد سعود الناصر، إن "إسرائيل" تصر على اعتبار نفسها فوق القانون، مؤكداً أن انتهاكاتها المستمرة موثقة، من انعدام المياه النظيفة والدواء إلى منع دخول المساعدات.
وأشار إلى أن "منع إسرائيل للمساعدات الإنسانية يعكس طبيعة التطهير العرقي ومحاولة تقويض حق الفلسطينيين في تقرير المصير"، واصفاً ما يجري في غزة بأنه "جرائم ضد الإنسانية".
وانتقد الناصر تشكيك بعض الدول باختصاص المحكمة، قائلاً إن ذلك لا يستند إلى أي أساس قانوني، مشدداً على أن "إسرائيل" تقيّد عمل "أونروا" بشكل واضح عبر تشريعاتها. واختتم بأن بلاده تأمل أن يشمل رأي المحكمة تأكيد حق تقرير المصير للفلسطينيين عبر إقامة دولتهم المستقلة.
من جانبها، قالت أستاذة القانون الدولي الجزائرية مايا السهلي، إن ستة ملايين فلسطيني مسجلون لدى "أونروا"، وأن منع المساعدات الإنسانية يؤدي إلى الجوع والمجازر، كما حدث مع عمال الإغاثة الذين دُفنوا في مقابر جماعية.
وشددت على أن "إسرائيل" تستخدم المساعدات كسلاح، وأن على المحكمة التصدي لذلك ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
أما المحامية سامية بربار من الفريق القانوني الجزائري، فقد عرضت استهداف الاحتلال لمدارس "أونروا"، واعتبرت أن ممارسات الاحتلال "تثبت نيتها المعلنة في منع المساعدات الإنسانية"، مشيرة إلى تصريحات لمسؤولين "إسرائيليين" بهذا الشأن، وطالبت المحكمة بالإقرار بأن "إسرائيل" تنتهك القانون الدولي.
من جهتها، قالت نوكانيا جيلي، المستشارة الخاصة لرئيس جنوب أفريقيا، إن "إسرائيل" تسعى لفرض السيادة على القدس الشرقية عبر تشريعات وممارسات تهدف لمحو الهوية الفلسطينية. وأضافت أن العقاب الجماعي وقتل المدنيين واستهداف مؤسسات مثل "أونروا"، يمثل مسعى واضحاً لتقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية.
وشددت جيلي على أن "إسرائيل" تتجاهل التزاماتها بموجب اتفاقيات جنيف، التي لا تشترط موافقتها لوصول المساعدات إلى الأراضي المحتلة.
وقال المستشار القانوني الجنوب أفريقي "جايمون هندريكس"، إن "إسرائيل" مطالبة بتعويض المتضررين، وإن على الدول الأخرى أن تمتنع عن دعم الاحتلال، بما في ذلك وقف تصدير السلاح إليه.
وأضاف: "علينا الحفاظ على ما تبقى من إنسانيتنا من خلال دعم الشعب الفلسطيني، الذي ينظر إلى هذه المحكمة لوضع حد لمعاناته".
ومن المقرر أن تستمر جلسات محكمة العدل الدولية حتى نهاية الأسبوع الجاري، على أن تقدم خلالها دول أخرى مداخلاتها القانونية حول مدى قانونية حظر "إسرائيل" للوكالة الدولية، والنتائج الكارثية لهذا القرار على ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وعلى الوضع الإنساني في غزة، في ظل حصار مطبق وتهديد مستمر بالمجاعة وانهيار الخدمات.