في أزقة مخيم النصيرات الضيقة، وسط قطاع غزة، صدح صوت الطفل الفلسطيني حسن عياد بأغنيته "اشهد يا عالم علينا"، قبل أن يرتقي شهيدًا داخل المخيم ذاته، الذي كان مسرحًا لصوته ولحكايته.

صوت عذب لم يبلغ صاحبه الثالثة عشرة من عمره، لكنه استطاع أن يهز وجدان الآلاف ممن سمعوا أغنيته، وتأثروا بكلماتها التي حملت نبرة حزينة ممزوجة بقهر فلسطيني عبر عنه الطفل الشهيد بكل براءة.

أعاد حسن عياد، ابن قطاع غزة، إنتاج الأغنية الشهيرة التي ولدت في زمن اجتياح بيروت عام 1982، ليحاكي بها وجع جيله تحت نيران حرب الإبادة "الإسرائيلية"، ويجسّد من خلالها الصلة العميقة بين الماضي والحاضر، بين بيروت وغزة، بين الثورة والإبادة.

"اشهد يا عالم علينا وهدموا بيوت، والعرب بنومة هنيّة"... بهذه الكلمات، صدح صوته في مقطع مصوّر برفقة والده، حمل فيه وجع شعبه وألمه، بكلمات بسيطة، لكنها حادة، كشظايا الصواريخ التي مزقت جسده، وأطفأت موهبته للأبد.

لم يكن حسن يعلم أن صوته، الذي انطلق من خيام النزوح والمنازل المدمرة، سيصبح صدى دائما لحرب إبادة لم تبق حجرا ولا بشرا، ولم تستثن الأطفال من شراستها.

لم يكن يدرك أن مقطع الفيديو الذي وثّق لحظة فنية وإنسانية نادرة، سيُخلَّد بوصفه شاهدًا على فظاعة الإبادة "الإسرائيلية" المدعومة بقنابل أمريكية، ومباركة عربية لا تقل وطأة عن الصمت.

استشهد عياد جراء غارة “إسرائيلية” شنها جيش الاحتلال على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة ليلة أمس الفائت، ما أدى إلى تحوّل جسده الصغير إلى أشلاء تناثرت بين الأحياء والأزقة ذاتها التي شهدت على صوته وأغنيته الشهيرة التي أنشدها بصوته الشجيّ.

تعكس الأغنية حجم المعاناة العميقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل حرب دامية يتعرض لها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، في مشهد يتكرر على مرأى ومسمع من العالم الذي يكتفي بالمشاهدة، دون أن يتحرك إزاء المجازر الوحشية وجرائم الاحتلال المستمرة بحق الأطفال والنساء والمدنيين.

"بالطيارات إحنا ذقنا طعم الموت، غارة برّية وبحرية، سدوا المعابر بالجوع الناس تموت، اشهد يا عالم علينا وهدموا بيوت، والعرب بنومة هنيّة" … هذا المقطع الأبرز في الأغنية التي أنشدها الطفل حسن، وكانت بمثابة صرخة ضمير حيّ في وجه عالم أدار ظهره وسط صمت دولي وعربي خانق.

وقد تلقى رواد مواقع التواصل الاجتماعي نبأ استشهاد عياد بكثير من الحزن والأسى، ونعوه عبر منشورات مؤثرة استذكروا خلالها مقاطع فيديو صوّرها قبل استشهاده أثناء إنشاده، لا سيما أغنيته الأشهر "اشهد يا عالم علينا"، التي أنشدها بين خيام النزوح، وبين المنازل المدمرة، والأزقة التي بالكاد تصلح للحياة.

ووصف المغردون الطفل الشهيد بأنه بات رمزًا فلسطينيًا غنّى للوطن، وللعودة، وكان يزرع الأمل في نفوس الناس رغم الألم، كما كتب الناشط علي أبو رزق عبر منصة (X) واصفًا استشهاده بأنه "اغتيال متعمّد عن سبق إصرار وترصّد".

أما الناشط خالد صافي فكتب: "رغم صغر سنه، كان عنده أداء وقبول.. اليوم اغتال الغزاة حسن، وأمسى فؤاد أبيه فارغًا. عرفتم لماذا بيننا وبين المجرم أنهار من دماء وانتقام وثأر طويل؟".

واستذكر أحد المغردين كلمات الأغنية التي باتت أيقونة صوتية توثّق وجع المخيم:"بالطيارات إحنا ذقنا طعم الموت، غارة برّية وبحرية. سدّوا المعابر بالجوع الناس تموت، اشهد يا عالم علينا وهدموا بيوت".

كما نعى الناشط أحمد حجازي الطفل عياد، واصفًا إياه بـ"صوت المخيم واللاجئين" الذي "زفّ ابنه وعصفوره حسن إلى العلياء".

وكتب أحد الحسابات: "أنشد حسن للمقاومة، للحق، للطفولة المحاصرة"، في وصف صادق لحال الطفل الذي ارتقى قبل أن يكتمل لحنه الأخير.

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد