يواجه مئات الطلاب من اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان خطراً حقيقياً بالحرمان من التقدّم للامتحانات الرسمية أو الحصول على شهاداتهم الجامعية، بسبب غياب الإقامات القانونية على الأراضي اللبنانية، وعدم توفّر الأطر الإدارية والسياسية التي تسعى لتسوية أوضاعهم.
ومع غياب أي مبادرات ملموسة من الجهات المعنية، يبقى مصير هؤلاء الطلبة وأحلامهم الأكاديمية معلّقاً بقرار من الأمن العام اللبناني بشأن تجديد الإقامات، ما يدخل العائلات في دوامة من القلق والتشتت على مصير أبنائها.
في مخيم برج البراجنة، تحوّل هذا الواقع إلى مصدر ضغط نفسي واقتصادي شديد، كما عبّرت عنه الطالبة ماريا بدوي، التي تدرس التمريض في المعهد الدولي في بيروت.
وقالت ماريا في حديث خاص لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "تلقيت رسالة نصية من مديرة المعهد تبلغني أنني لن أتمكن من التقدّم للامتحانات الرسمية؛ بسبب عدم امتلاكي إقامة سارية، كان الخبر كالصاعقة، وأثّر سلباً على حياتي، لأن حلمي بالحصول على شهادة التمريض يتبخّر أمام عيني."

وأوضحت بدوي أن المعهد سمح للطلاب السوريين بدخول الامتحانات بفضل "ورقة الأمم المتحدة"، بينما تم منع اللاجئين الفلسطينيين السوريين، رغم شرائهم أوراق الترشيح ودفعهم الرسوم المطلوبة.
وأضافت: "أطالب أن يعاملونا كأناس لنا حقوق، أولها حق التعليم، وهو حق مقدّس لا يساوم عليه. نريد دخول الامتحانات والسماح لنا بذلك عبر الأونروا، فليس من المنطق أن تتحكم ورقة صغيرة بمستقبل جيل كامل."
أرقام صادمة... "265 طالباً مهددون بالحرمان"
أحمد سخنيني، عضو لجنة الثقافة والتعليم في مخيم برج البراجنة، كشف في مقابلة مع "بوابة اللاجئين" عن معطيات ميدانية صادمة، بعد جولات قامت بها اللجنة على مدارس الأونروا في بيروت.
ووفقاً لسخنيني، فإن ما نسبته 90% من الطلاب الفلسطينيين السوريين غير مبرّرين قانونياً في المناطق التربوية اللبنانية، ما يجعلهم عاجزين عن استكمال تعليمهم أو التقدّم للامتحانات الرسمية.
وفي التفاصيل أكد أن 62 طالباً في مدرسة البيرة غير مبررين. 69 طالباً في مدرسة القدس، 72 طالباً في مدرسة جالوت، إضافة إلى 26 طالباً في مدرسة الجليل. وبالتالي، فإنّ 265 طالباً يواجهون خطر الإقصاء من العملية التعليمية.

وأضاف سخنيني: "نحن أمام مجزرة تعليمية تحصل بكل دم بارد. هؤلاء ليسوا مجرد أرقام، بل 265 حلماً وأملاً علينا إنقاذهم. وهناك 30 طالباً مرشحاً للشهادات الرسمية مهددين بعدم الانتقال إلى المستوى التعليمي الأعلى."
وأوضح أن "الطالب غير المبرر" هو من لا يُعترف بدوامه رسمياً، ولا يحصل على إفادة مدرسية مصدقة من وزارة التربية، كما لا يمكنه التقدّم للشهادات الجامعية.
التعليم ما بعد "أونروا" في مهب الريح
ونوّه سخنيني إلى أن الأزمة لا تتوقف عند المدارس، بل تتفاقم في المعاهد والجامعات، حيث لا يوجد رصد رسمي لحجم الكارثة، لكن اللجنة استطاعت توثيق حالتين مؤلمتين هما الطالبتان ماريا بدوي ورغد صالح، اللتان دفعتا رسوم التسجيل، واستوفتا شروط التقدّم للامتحانات، ليتم منعهما في اللحظات الأخيرة بسبب غياب الإقامات.
وأوضح أن هذا يشكّل عبئاً إضافياً على عائلات مهجّرة أساساً من سوريا، تعاني من أوضاع اقتصادية مزرية، محذّراً من أن التعليم هو آخر ما تبقّى لهذه العائلات، وإن فقد، فسيكون الضياع مصير الأجيال.
وفي مواجهة هذا الواقع، بادرت لجنة الثقافة والتعليم في مخيم برج البراجنة إلى تنظيم اعتصام احتجاجي دفاعاً عن حق الطلاب في التعليم دون تمييز، بعد التأكد من أن المئات مهددون بالحرمان نتيجة عدم تسوية أوضاعهم القانونية.
وفي هذا السياق، قال سخنيني: "هذه صرخة من قلب المخيمات بوجه الأونروا والمرجعيات الرسمية الفلسطينية. لا مجال للتراخي أو المماطلة. علمنا أن مديرة الأونروا في لبنان، دوروثي كلاوس، التقت مؤخراً بوزيرة التربية اللبنانية، لكن دون نتائج تذكر."
وطالبت اللجنة إدارة "أونروا" بالتحرّك الفوري، استناداً إلى مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه في المادة 7 من الدستور اللبناني، والمادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، للضغط من أجل معاملة الطلاب الفلسطينيين السوريين أسوة باللاجئين السوريين.
المطلب القانوني: مساواة "بطاقة أونروا" بـ"ورقة الأمم المتحدة"
واستندت اللجنة إلى القرار رقم 2 الصادر عن مجلس الوزراء اللبناني بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2024، والذي نصّ على اعتماد "ورقة الأمم المتحدة" كوثيقة رسمية للطلاب السوريين، وطالبت بتطبيق مبدأ القياس القانوني واعتماد بطاقة وكالة "أونروا" بذات الطريقة، لتبرير دوام الطلاب في المدارس الرسمية.
وأشار سخنيني إلى أن الأمن العام اللبناني لم يقم بتجديد إقامات اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا منذ أكثر من عام، ما أدى إلى تراكم المشكلة، وخلق أزمة قانونية وتعليمية خانقة، تهدد مستقبل المئات من الطلبة.
وختم أن الطلاب الفلسطينيين السوريين لا يطالبون بامتيازات، بل بحق بسيط وأساسي هو التعليم. وبين مماطلة الإدارات وتجاهل الجهات المسؤولة، بات مصير المئات منهم معلّقاً على "شقفة ورقة"، كما وصفتها الطالبة ماريا، فيما يستمر العد التنازلي لضياع عام دراسي كامل قد لا يعوض.
موضوع ذو صلة: غياب الإقامة القانونية يضيع مستقبل الطلاب الفلسطينيين السوريين في لبنان