عمّت المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، اليوم الخميس 15 أيار/مايو، فعاليات وطنية واسعة النطاق، بالتزامن مع الذكرى الـ77 لنكبة الشعب الفلسطيني، في ظل استمرار حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة.

وشهدت المخيمات إضراباً شاملاً بدعوة من اللجان الأهلية، أغلقت خلاله مدارس "أونروا"، ومراكزها، ومؤسسات المجتمع المحلي، فيما نُظّمت وقفات ونشاطات وطنية وثقافية استهدفت مختلف الفئات العمرية.

وأكدت "اللجان الأهلية" في بيان أن إحياء الذكرى يأتي للتأكيد على التمسك بحق العودة ورفضاً لجرائم الاحتلال، مشيرة إلى أن النكبة تمثل "الجرح الغائر في جسد الأمة"، وجريمة تاريخية ناتجة عن التهجير القسري والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948.

وأوضحت أن ذكرى هذا العام تتزامن مع "حرب إبادة تشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة والقدس والضفة الغربية"، مشددة على أن حق العودة "حق مقدّس لا يسقط بالتقادم".

ودعت اللجان إلى إغلاق كافة المؤسسات الفلسطينية في المخيمات، ليكون يوم الذكرى يوماً وطنياً جامعاً، مناشدة الأهالي المشاركة الفاعلة في الوقفات التضامنية والأنشطة التي تهدف إلى ترسيخ الوعي الوطني لدى الأجيال الجديدة، وإحياء روايات اللجوء والصمود في الذاكرة الفلسطينية.

أونروا البقاع.jpg

في مخيم برج البراجنة، نظّمت منظمة "ثابت لحق العودة"، بالتعاون مع جمعية الدعم الاجتماعي "دار الشيخوخة النشطة" وجمعية "أغاريد"، نشاطاً خاصاً حمل عنوان "ديوانية العودة"، وذلك في إطار الحملة الدولية للحفاظ على الهوية الفلسطينية – "انتماء".

ستهدف النشاط كبار السن، وعُقد في مركز "دار الشيخوخة النشطة" ظهر الأربعاء 14 أيار، حيث تبادل الحاضرون حكايات من قراهم المهجّرة، ووقائع اللجوء، مؤكدين على تمسكهم بالأمل والحق. وخُتم اللقاء بتوقيع خارطة فلسطين بالبصمة، ورفع شعارات دعم لغزة.

احياء النكبة في مخيم البرج.jpg

قال مدير "ثابت"، الأستاذ سامي حمود، خلال كلمته: "نحيي هذه الذكرى لنؤكد أن الرواية الفلسطينية لن تموت، وأن مفتاح العودة لا يزال حيًّا في وجدان أجدادنا"، مؤكداً أن ما يجري في غزة هو حرب إبادة تستوجب موقفاً دولياً عاجلاً.

لم تغب الأجيال الصغيرة عن مشهد إحياء المناسبة الأليمة، حيث نظّمت منظمة "ثابت" بالتعاون مع "أغاريد"، فعالية بعنوان "ملتقى براعم الطوفان والعودة"، صباح الأربعاء في روضة براعم الأقصى بمخيم برج البراجنة، ضمن الحملة ذاتها.

أطفال النكبة.jpg

شارك الأطفال في نشاطات رسم وتلوين ومسابقات وطنية، ووضعوا بصماتهم على علم وخارطة فلسطين، ورفعوا شعارات ترفض الاحتلال وتدعم غزة، واختُتم اللقاء بعرض جماعي على أنغام نشيد "فدائي".

قالت المنظمات إن النشاط يهدف إلى "غرس الانتماء والهوية في نفوس البراعم، وتعزيز الارتباط بفلسطين، في ظل ما يتعرض له أهلنا من قهر وقتل وتجويع".

أطفال النكبة البرج.jpg

كما شهدت روضة الأقصى في مخيم نهر البارد شمال لبنان فعاليات مشابهة، شارك فيها الأطفال من خلال أناشيد وطنية ورسوم تعبّر عن الانتماء لفلسطين، في رسالة تؤكد أن النكبة لا تزال حاضرة في الوعي الفلسطيني جيلاً بعد جيل.

روضة الأقصى نهر البارد.jpg

وقفة مركزية في شاتيلا: من النكبة إلى مجازر غزة

في ساحة الشعب داخل مخيم شاتيلا، أقامت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، بالتعاون مع حركة فتح واللجنة الشعبية، وقفة إحياء للنكبة ورفضاً لحرب الإبادة الجارية في غزة، وذلك بحضور شخصيات سياسية وممثلين عن الفصائل والمؤسسات، وحشد من أهالي المخيم.

فتُتحت الوقفة بقراءة الفاتحة لأرواح الشهداء، ثم النشيد الوطني، وألقى عدد من الشخصيات كلمات مؤثرة. وقال اللواء الدكتور حسن الناطور، عضو المجلس الوطني الفلسطيني: "نكبة 1948 لم تكن نهاية الحكاية، بل بدايتها، ونحن اليوم نواجه أبشع فصولها في غزة، بصمت دولي مخزٍ".

أضاف: "المرأة الفلسطينية كانت وما زالت في مقدمة الصفوف، أما الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، لا يزال يحمل مفاتيح العودة، يرويها لأبنائه، ويعلّقها على جدران ذاكرته، لأنها ليست مجرد رموز، بل عهود لا تسقط".

النكبة في مخيم شاتيلا.jpg

أما الدكتور رياض دبّاح، فأكد أن استمرار المجازر في غزة والضفة هو دليل على أن الاحتلال لا يكتفي بالنكبة، بل يسعى لاستكمال مشروعه عبر حرب إبادة وتصفية وكالة "أونروا"، مشدداً على أن النكبة لا تزال حية في تفاصيل حياة الفلسطينيين.

وفي كلمة اللجنة الشعبية، قال أبو حرب إن "النكبة ليست ذكرى بل واقع يومي يعيشه شعبنا، يتجدد في كل مجزرة ترتكبها إسرائيل"، معتبراً أن المشروع الصهيوني يستهدف اليوم تفكيك المخيمات وإنهاء رمزية النكبة

وقفة حاشدة في عين الحلوة ومهرجان سياسي في البقاع

في مدينة صيدا، وتحديداً في ملعب الشهيد أبو جهاد الوزير داخل مخيم عين الحلوة، نظّمت هيئة العمل الفلسطيني المشترك وقفة غضب حاشدة، صباح الخميس 15 أيار/مايو، بمشاركة واسعة من أبناء المخيم والجوار، وممثلين عن التنظيمات والأحزاب الفلسطينية الوطنية والإسلامية، واللجان الشعبية، والاتحادات والنقابات، وهيئة المتقاعدين العسكريين، والقوة المشتركة الفلسطينية، والأمن الوطني، واتحاد المرأة الفلسطينية، ومؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب مواطنين لبنانيين داعمين للقضية.

إحياء النكبة في صيدا.jpg

شارك في الوقفة وفد من اتحاد نقابات عمَّال فلسطين – فرع لبنان، يتقدمه رئيس الاتحاد غسان بقاعي، وأعضاء من المكتب الإداري والقيادة اليومية للاتحاد في منطقة صيدا

وأُلقيت كلمات بالمناسبة، وجّهت التحية إلى أرواح الشهداء والجرحى والأسرى، وعبّرت عن التضامن مع أهلنا في غزة والضفة والقدس، وكل فلسطين والشتات، وشدّدت على رفض مشاريع التصفية، والحصار، ومحاولات التهجير القسري، والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها حق العودة ومنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والوحدة الوطنية كخيار لا غنى عنه في مواجهة العدوان والمشروع الصهيوني.

مهرجان سياسي في البقاع: لا للتوطين... نعم للعودة

في إطار الفعاليات نفسها، نظّمت منظمة التحرير الفلسطينية ودائرة شؤون اللاجئين واللجان الشعبية في البقاع مهرجاناً سياسياً حاشداً تحت شعار: "لن نرحل... ستبقى فلسطين للفلسطينيين".

أقيم المهرجان في قاعة الرئيس محمود عباس داخل مخيم الجليل، بحضور قيادات سياسية فلسطينية ولبنانية.

البقاع.jpg

تقدّم الحضور د. رياض أبو العينين، عضو قيادة حركة "فتح" في إقليم لبنان، ومسؤول دائرة الشباب في سفارة دولة فلسطين مصطفى حمادة، وأمين سر حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير في البقاع المهندس فراس الحاج، وعضو لجنة المتابعة المركزية في اللجان الشعبية الأستاذ أسامة عطواني، وأمين سر اللجان الشعبية في البقاع خالد عثمان، إلى جانب ممثلين عن الفصائل والأحزاب اللبنانية والمكاتب الحركية وحشد كبير من أبناء المخيم

وفي كلمته باسم اللجان الشعبية، قال الأستاذ أسامة عطواني: "77 سنة من التشريد واللجوء والمجازر، ولم يسقط حقنا في العودة، ولن يسقط. النكبة ليست ذكرى، بل واقع نعيشه كل يوم، خاصة في ظل ما يجري في غزة. ونرفض كل محاولات طمس هويتنا، بما فيها الهجمة على الأونروا، التي تبقى الشاهد الأممي على نكبتنا. نطالب بدعمها ورفض محاولات إنهاء دورها".

كما شدّد عطواني على رفض التوطين، مطالباً الدولة اللبنانية بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاجتماعية، بما فيها الحق في التملك والعمل، من دون المسّ بحق العودة

من جهته، أكّد د. رياض أبو العينين في كلمته باسم منظمة التحرير الفلسطينية أن "النكبة لم تنتهِ بعد، وما زال شعبنا ينزف تحت الاحتلال. ولكن كما صمدنا طيلة 77 عامًا، سنواصل النضال حتى إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين".

ونوّه أبو العينين إلى أهمية دور المخيمات في الحفاظ على الهوية الوطنية، مؤكّدًا أن زيارة الرئيس محمود عباس المرتقبة إلى لبنان في 21 أيار الجاري "تحمل رسالة واضحة بأن اللاجئين هم أولوية سياسية ووطنية لدى القيادة الفلسطينية"

وختم بالتشديد على أن حركة "فتح" ستبقى الحريصة على وحدة الصف الفلسطيني، وأن "بوحدتنا الوطنية نحمي قضيتنا ونواجه المؤامرات، ونبقي فلسطين البوصلة والقدس الهدف".

جميع هذه الفعاليات، من اللقاءات الحوارية مع كبار السن، إلى الأنشطة التربوية مع الأطفال، مروراً بالوقفات الشعبية والسياسية، جاءت لتؤكد وحدة الفلسطينيين في الوطن والشتات، وارتباطهم الوثيق بحقهم التاريخي في العودة، ورفضهم لكل مشاريع التصفية.

في الذكرى السابعة والسبعين للنكبة، يصرّ الفلسطينيون في مخيمات لبنان على أن الجرح المفتوح منذ عام 1948 لا يندمل إلا بالعودة، وأن غزة ليست وحدها في هذه المعركة، فصوت المخيمات، رغم التهجير والفقر، لا يزال يهتف: ما نسينا، ولن ننسى.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد