يحلّ عيد الأضحى المبارك لعام 2025 على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وسط أجواء من الضيق الاقتصادي، يغلفها الحزن ويغيب عنها الفرح، رغم بعض الانفراجات التي طرأت بعد سقوط النظام السوري السابق، أبرزها حرية تحويل الأموال، وزيارات المغتربين من أوروبا للمخيمات. لكن هذه الانفراجات بدت خجولة في مواجهة وطأة الفقر المزمن، وتزامنها مع تكثيف الاحتلال "الإسرائيلي" لحرب الإبادة على قطاع غزة، واستهداف أطفالها بسياسات التجويع، ما زاد شعور عموم اللاجئين بحالة الحداد.

في مخيم خان الشيح بريف دمشق، بدا واضحاً أن زيارة عدد من المهجرين في أوروبا من أبناء المخيم قد بعثت بعض الحياة في الأسواق، خصوصاً في شراء مستلزمات الضيافة والحلويات. إلا أن أسعار اللحوم المرتفعة جعلت شراءها أمراً نادراً، حيث يأمل كثير من السكان بحصص من اللحوم التي يتبرع بها الميسورون من الزائرين.

وقال أحد السكان لمراسل بوابة اللاجئين الفلسطينيين:"أجواء العيد والتوافد على السوق أفضل من عيد الفطر، لكن اللحوم شبه معدومة بسبب غلاء سعرها، والأهالي ينتظرون الأضاحي من المقتدرين القادمين من أوروبا، أما باقي الناس فحالهم على حالهم".

وفي مخيم درعا جنوب سوريا، عبّر الشيخ والأستاذ أبو خالد مسعود عن وجع سكان المخيم بكلمات حزينة وغاضبة، قائلاً: "العيد يأتينا بغصة لا تحتمل، نعيش فقرًا مدقعًا، وبطالة قاتلة، ولا توجد أي مظاهر حقيقية للعيد. لم أرَ أحدًا يشتري ملابس لأطفاله، ولا حتى قطعة حلوى. الناس عاجزة عن شراء ربطة خبز أو "وقية لحمة"، فكيف بعيدٍ يُفترض أن يكون مناسبة للأضاحي؟".

الشيخ ابو خالد مسعود.jpg
وأشار أبو خالد إلى أن المخيم رغم معاناته يشعر اليوم بأمان نسبي بعد سنوات من القتل والقمع والبطش، مضيفاً: "نعم، نحس بشيء من الطمأنينة، لكننا نحمل جراحاً عميقة. لدينا شهداء ومفقودون قضوا في مجازر صيدنايا وغيرها، ودفنوا جماعياً تحت الأرض كما تذبح الأضاحي. واليوم لا نملك حتى ثمن التضحية."

وأكد الشيخ أبو خالد أن لا جهة تتكفل بالأضاحي في مخيم درعا، مشيراً إلى أن الحملات الإغاثية غائبة تماماً عن المنطقة، في وقت تنهار فيه البنية التحتية للمخيم، وتلجأ بعض العائلات إلى استخدام البطانيات لإغلاق مداخل منازلهم المدمرة بدل الأبواب التي فقدوها في الحرب.

رغم هذا الواقع الكئيب، لفت الشيخ إلى بعض مظاهر الأمل، وقال: "اليوم نقف تحت شجرة كانت تقصف بالأمس، ولا نخاف. هذا العيد فيه غصة الفقد، لكنه أيضاً يحمل بعض الأمان، ونسأل الله أن يرزق أهل غزة بعضًا؛ مما نشعر به نحن هنا بعد طول خوف".

في مخيم اليرموك، الذي كان رمزًا للنكبة والنكسة والتدمير الكارثي، تشهد شوارعه استعدادات لعيد الأضحى للمرة الأولى منذ سنوات. حملة تنظيف شاملة نفّذتها لجنة حي اليرموك بالتنسيق مع دائرة خدمات المخيم، وبدعم من جمعيات مدنية، شملت أحياء المخيم والشارع المؤدي إلى مقبرة الشهداء، مع تأمين الوقود للآليات المستخدمة في إزالة النفايات والركام المتراكم.

هذه الحملة التي تأتي عشية العيد، الموافق يوم الجمعة 6 حزيران/يونيو، تعدّ الأولى من نوعها منذ عام 2018، في مؤشر على سعي بعض السكان العائدين إلى استعادة الحياة من بين أنقاض الحرب، وتهيئة الأجواء لعودة أوسع للمهجّرين.

في المقابل، شهدت مخيمات ريف دمشق الأخرى، مثل جرمانا وخان دنون، حركة خفيفة في الأسواق، بحسب مراسلي بوابة اللاجئين الفلسطينيين، مع بقاء القدرة الشرائية للسكان في أدنى مستوياتها، باستثناء بعض التحسن النسبي بفعل زيارات المغتربين الذين أنعشوا الأجواء الاجتماعية، ولو مؤقتاً.

بين دمار المخيمات وتفاقم الفقر، والحزن على غزة، وشعور العجز، تبقى فرحة عيد الأضحى منقوصة في وجدان اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، في وقت يتجدد فيه الألم بمشهد المجازر في غزة، ويرسخ الشعور بأن جراح الشتات الفلسطيني لا تندمل، مهما تعددت الجغرافيا، أو تبدّلت النظم السياسية والوقائع.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد