شهدت مدارس وكالة "أونروا" ومكاتبها في مخيم نهر البارد، شمال لبنان، اليوم، إضراباً عاماً شلّ العمل في المدارس ومكتب مدير خدمات المخيم ومكتب الشؤون الاجتماعية، احتجاجاً على سياسة التقليصات المتواصلة التي تتبعها الوكالة بحق اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رأسها قرار تجميد الأستاذ وليد حمدي عن العمل لمدة ستة أشهر دون راتب.
وفي تصريح خاص لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أكد الناشط وعضو الحراك محمد أبو القاسم أن هذه التحركات ليست محلية، بل تمتد إلى جميع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وهي تأتي رداً على سياسة "ممنهجة" تهدف إلى تجريد اللاجئين من حقوقهم الأساسية.
وقال: "ما يجري ليس مجرد إجراءات مالية، بل قرارات تمس كرامتنا وحياتنا، وتشبه في جوهرها ما يتعرض له شعبنا في غزة والضفة الغربية من حرب إبادة".
وأشار أبو القاسم إلى أن مخيم نهر البارد يعاني من أزمات متراكمة، أبرزها ملف الإعمار الذي لا يزال معلّقًا منذ 18 عامًا من تهجير سكانه، وسط غياب أي جدول زمني لإنهاء الأعمال، ما يضاعف من معاناة الأهالي.
وتوقف أبو القاسم عند قضية المعلمين الموقوفين، وخصوصاً في منطقة الشمال، الذين جرى معاقبتهم بسبب تضامنهم الوطني والإنساني مع أهل غزة، وقال: "الأستاذ وليد حمدي، الذي تم تجميده دون راتب، هو مربي أجيال خدم 26 عاماً، وهذه العقوبة تعكس استهدافًا واضحًا لموقفه من قضايا شعبه".
كما استنكر أبو القاسم قرار الأونروا بإلغاء المساعدة النقدية الشهرية البالغة 50 دولارً للأطفال وكبار السن، ثم تقليص مساعدات الشؤون الاجتماعية من 50 إلى 30 دولاراً، قبل أن يتم إلغاءها بالكامل مؤخرًا والاكتفاء بتوزيع كرتونة غذائية واحدة أو اثنتين بحسب عدد أفراد الأسرة.
وتطرق أبو القاسم إلى فصل 18 من عمّال الآثار دون إنصاف، ما زاد من حالة الاحتقان في صفوف اللاجئين، محذراً من تبعات هذه السياسة التي "تفاقم الانهيار الاجتماعي وتدفع بالمخيمات إلى حافة الانفجار".
وأكد أبو القاسم وجود تنسيق بين الحراكات في مختلف المخيمات لتنظيم تحركات ضاغطة على وكالة "أونروا" من أجل استعادة الحقوق الأساسية في الطبابة والإغاثة، داعيًا إلى وحدة الصف في مواجهة هذه السياسات.
وعبّر عن خيبة أمله من غياب الفصائل الفلسطينية عن المشهد، قائلاً: "غياب القيادة الفلسطينية عن مواجهة هذا الواقع المؤلم يضع اللاجئين أمام مصير مجهول ويثير تساؤلات كثيرة حول أسباب هذا التخلي".
وفي السياق نفسه، أصدرت اللجنة الشعبية الفلسطينية في مخيم نهر البارد بياناً اعتبرت فيه أن قرار فصل الأستاذ وليد حمدي يأتي ضمن سلسلة قرارات متراكمة "جائرة"، تُمعن في إنهاك اللاجئين الفلسطينيين، واتهمت الوكالة بالتخلي عن واجبها الأساسي في إغاثة وتشغيل اللاجئين، ومقارِنة ما يحدث بما يشبه حرب إبادة ناعمة وموازية لتلك التي يشنّها الاحتلال "الإسرائيلي" في غزة والضفة الغربية.
وأشار البيان إلى أن "أونروا" بدأت منذ أشهر بإيقاف صرف 50 دولاراً للفئات دون 18 سنة وفوق 60 سنة، ثم خفّضت المساعدة النقدية للأسر الأشد فقراً من 50 إلى 30 دولاراً، قبل أن تتوقف عنها كلياً، فيما تستمر بإصدار قرارات تُفاقم المأساة الإنسانية يوماً بعد يوم.
وفي مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوب لبنان، أقدم ناشطون على إغلاق مكتب الشؤون الاجتماعية التابع لـ"أونروا"، احتجاجاً على شطب ملفات المساعدات ووقف صرف المبالغ النقدية، محذرين من تحركات تصعيدية قادمة إذا لم يتم التراجع عن هذه السياسة التي وصفوها بـ"اللامسؤولة".
وتشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان حالة من الغضب والتصعيد المتزايد، عقب قرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فصل المعلم وليد حمدي مدير مدرسة غزة في مخيم نهر البارد عن العمل لمدة ستة أشهر دون أجر، بذريعة "خرق سياسة الحياد"، إلى جانب استمرار التقليصات الإغاثية، التي طالت مختلف الفئات، وفاقمت معاناة اللاجئين.
ووصف اتحاد المعلمين في لبنان القرار بأنه "جائر وتعسفي ويفتقر إلى العدالة"، مؤكداً أن التوقيف جاء بناءً على مزاعم ظنية لم يُبتّ بها بعد، في مخالفة لأبسط معايير الشفافية والمهنية، وهو ما يُلحق ضررا جسيماً ليس فقط بالمعلم الموقوف، بل بأسرته وبالبيئة التربوية في المخيمات عموماً.
وفي بيان صادر عن الاتحاد اليوم الاربعاء 11 حزيران/ يونيو، أعلن الاتحاد العودة إلى مسار التصعيد النقابي، من خلال إضراب شامل في كافة مدارس "أونروا" في لبنان يوم الخميس 12 حزيران/ يونيو، عند الساعة 11:00 صباحاً، يليه إضراب ثانٍ يوم الإثنين 16 من ذات الشهر، بدءاً من الساعة 10:00 صباحاً.
كما شهد مخيم الجليل للاجئين الفلسطينيين في بعلبك في البقاع اللبناني، وقفة احتجاجية أمام مكتب مدير خدمات الوكالة في المخيم، وذلك رفضاً لسياسة التقليصات التي وصفها المحتجون بالمجحفة والمعادلة للاجئين.
وتأتي هذه التطورات في ظل أجواء من التوتر والاحتقان الشعبي داخل المخيمات، وسط دعوات متصاعدة من النشطاء والروابط الاجتماعية واللجان الشعبية، للمجتمع المحلي والمرجعيات الفلسطينية إلى التحرك الجاد في وجه ما وصفوه بـ"مؤامرة منظمة" ضد اللاجئين وحقوق الموظفين داخل الوكالة.