رغم استمرار حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتصاعد المجازر المروعة بحق الفلسطينيين، تشهد وتيرة الحراك التضامني داخل مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان تراجعاً ملحوظاً مقارنة ببدايات الحرب.
حيث كان يخرج يومياً المئات من أبناء المخيم في مسيرات متواصلة، ما يجعل التراجع في الخروج بالمسيرات والوقفات مسألة تستحق النقاش، كون هذا التراجع جاء بسبب عوامل مركبة خفتت منه، وأبرزت أشكالاً أخرى من التضامن يراها الناشطون في المخيم أكثر نجاعة.
ويعد مخيم عين الحلوة ميداناً لقياس تفاعل المخيمات الفلسطينية في لبنان مع قطاع غزة، لكونه المخيم الأكبر، ومن خلاله يمكن جملة العوامل التي تؤثر على مجريات الأمور ازاء مختلف قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وحتى أشهر قريبة، كان مخيم عين الحلوة ومن أبرز ساحات التعبير الشعبي عن التضامن مع قطاع غزة، إلا أن مجموعة من التطورات المحلية والإقليمية ساهمت في فتوره، و من بينها توسع الحرب إلى الأراضي اللبنانية، وزيارة رئيس السلطة محمود عباس التي أعادت إلى الواجهة ملف "تسليم سلاح المخيمات"، إضافة إلى تدهور الوضع الأمني الداخلي والتراجع الحاد في خدمات وكالة "أونروا" وتزايد القلق في الحياة اليومية لسكان المخيم.
الوضع الأمني يقلص الحراك.. والتضامن يتحوّل إلى حملات
يوضح أمين سر اللجان الشعبية لتحالف القوى في صيدا أبو حسام زعيتر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن تراجع النشاطات التضامنية يعود بالدرجة الأولى إلى الظروف الأمنية، إضافة إلى انشغال الناس بملف تسليم السلاح، الذي خلق أجواء من التوتر والخوف.
وأشار إلى أن قضية غزة لا تزال حاضرة في وجدان الناس، لكنها لم تعد تُترجم بالحشود، بل من خلال مبادرات بديلة كحملات التبرعات، وأبرزها حملة "سهم صمود" التي جمعت نحو 20 ألف دولار حتى الآن.
وأضاف أبو حسام أن كل فصيل أصبح ينظّم نشاطاته التضامنية بشكل منفصل، ما قلل من قوة الزخم الجماعي، مشيراً إلى تراجع التغطية الإعلامية بسبب تكرار المشهد والأشخاص.
ورغم ذلك، أكد أن اللجان الشعبية لا تزال متمسكة بموقفها الثابت في إدانة العدوان على غزة والضفة الغربية، ولكن اهتمام اللاجئين صار منصباً أكثر على التطورات الدولية وملف السلاح.
الانقسام السياسي يُشتّت التحركات.. وضعف التعبئة يُقلّص المشاركة
من جانبها، قالت الناشطة "رشا" من مخيم عين الحلوة: إن التحركات صارت تعكس الانقسام السياسي، حيث تتحرك كل جهة ضمن انتمائها التنظيمي، ما يُعيق أي وحدة فلسطينية حقيقية في العمل التضامني، مشيرة إلى غياب الانتماء والتعبئة السياسية، الأمر الذي أدى إلى تشتّت الجهود.
وأكدت رشا أن عدد المشاركين في الوقفات تراجع من أكثر من 300 شخص في بدايات الحرب إلى أقل من 20 مشاركاً اليوم، معظمهم من الفئة العمرية بين 16 و20 عاماً.
كما انتقدت اقتصار الهتافات على شعارات عامة دون أي توعية أو تأطير سياسي حقيقي من قبل الفصائل أو اللجان الشعبية، وتابعت: "لا يستطيع ابن حماس المشاركة في مسيرة لفتح والعكس صحيح، فكل فصيل يتحرك في نطاق حيّه فقط، ما أدى إلى شبه إلغاء للحركة التضامنية"
أزمات مادية وتنظيمية تؤثر على الحراك الشبابي
الناشط في الحراك الشبابي المستقل يشير إلى أن التحركات اليوم فقدت زخمها مقارنة ببداية العدوان، رغم استمرار الوقفات الأسبوعية كل يوم جمعة.
وأرجع التراجع إلى التطورات الميدانية والمادية، حيث يتم تمويل الفعاليات بشكل فردي من قبل الناشطين دون ميزانية دعم كافية.
وأوضح حسون أن طرق الدعم تحوّلت من الوقفات إلى حملات ميدانية، مثل جمع التبرعات داخل المحال التجارية وشراء الخيم والمياه وإرسالها إلى غزة، معتبراً أن هذه الأساليب أكثر نجاعة في المرحلة الراهنة.
مخاوف داخلية... واللجان تحاول التهدئة
بدوره، قال فادي البرناوي، من لجان الأحياء في المخيم: إن عين الحلوة يختلف عن باقي المخيمات من حيث حجم التحركات، لكنه أشار إلى أن المشاكل الداخلية بين العائلات، والحرب بين إيران و"إسرائيل"، والتدهور في خدمات "أونروا"، كلها عوامل فاقمت حالة الخوف وأضعفت الحراك.
وأوضح أن حادثة مقتل شاب خلال إحدى المسيرات في الأيام الأولى للعدوان، ساهمت في عزوف الناس عن المشاركة لاحقاً خوفاً من تكرارها، ما دفع لجان الأحياء للعمل على التهدئة وضمان التنقل الآمن بين الأحياء، كما أشار إلى غياب واضح للمستفيدين من "أونروا" في الوقفات، خاصة بعد قرارات فصل عدد من المعلمين، مما عزز الشعور بالخذلان واليأس.
رغم هذه التحديات والانقسامات والظروف الأمنية، يبقى التضامن مع غزة حاضراً في مخيم عين الحلوة، وإن اتخذ أشكالاً مختلفة، أبرزها حملات التبرع والعمل الميداني، لكن مع كل ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن أن تعود التحركات الشعبية إلى سابق عهدها؟ أم أن الخوف والانقسام سيواصلان تقويض شعور الانتماء والعمل الجماعي؟