يُعد مخيم الجليل في بعلبك المخيم الفلسطيني الرسمي الوحيد في منطقة البقاع اللبناني، ويقطنه نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا منذ عام 2011، وإلى جانب المخيم، تنتشر تجمعات فلسطينية غير رسمية في بلدات بر الياس، تعلبايا، سعدنايل، المرج وغيرها، تُقدّر أعداد الفلسطينيين فيها مجتمعةً بنحو 50 ألف لاجئ فلسطيني
ورغم هذا الحضور اللافت، لا تتجاوز خدمات "أونروا" في البقاع وجود مدرسة واحدة وعيادة صحية داخل مخيم الجليل، فيما تفتقر التجمعات الأخرى لأي مراكز دائمة، وتعتمد على برامج متنقلة ومساعدات موسمية محدودة.
ويشتكي اللاجئون من غياب برامج الترميم، وتوقف مشاريع التشغيل، وتراجع المساعدات النقدية، إلى جانب ضعف الرعاية الصحية، الأمر الذي يزيد من مظاهر التهميش، ويجعل المنطقة خارج أولويات الوكالة.
في ظل هذه الظروف، يعاني اللاجئون الفلسطينيون في البقاع من أوضاع معيشية صعبة، وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، والتراجع الحاد في خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ومع غياب تمويل المشاريع، وانخفاض جودة التعليم، وندرة الخدمات الطبية، يواجه آلاف اللاجئين في بلدات بر الياس، تعلبايا، سعدنايل، ومخيم الجليل في بعلبك، تحديات يومية تمس أبسط حقوقهم في الصحة والتعليم والعمل.
تعليم متهالك... واكتظاظ في الصفوف
حسين كايد، طالب فلسطيني في المرحلة الثانوية، تحدث لبوابة اللاجئين الفلسطينيين عن معاناته داخل الصفوف المكتظة، ويصف البيئة التعليمية بـ"الصعبة"، حيث تؤثر على قدرته وزملائه في التركيز والتحصيل.
ويشير إلى أن الإضرابات والعطل المتكررة ساهمت في تراجع جودة التعليم مقارنة بالسنوات الماضية، ما اضطره إلى اللجوء إلى أستاذ خصوصي بكلفة 40 دولاراً شهرياً، وهو مبلغ يفوق قدرة أسرته المادية.
ويتحدث حسين عن زملائه الذين لم يتمكنوا من تأمين دروس خاصة، ما أدى إلى رسوب بعضهم وتسرب آخرين من المدارس. ويعبّر عن قلقه قائلاً: "إذا أغلقت الأونروا المدارس، لن يستطيع والدي إدخالي إلى مدرسة خاصة، وبقي لي سنتان حتى أنهي تعليمي".
مشاريع قصيرة الأجل وتمييز في فرص العمل
سارة خالد، لاجئة فلسطينية، تشير إلى أنها استفادت مادياً من أحد مشاريع "أونروا" لمدة 40 يوماً فقط، وتؤكد أن مدة المشروع لم تكن كافية لتحسين وضعها الاقتصادي.
وتطالب خالد، بأن تكون هذه المشاريع طويلة الأمد وشاملة دون تمييز أو واسطات، وتقول: "هذا النوع من المشاريع يساعدنا في دفع إيجار المنزل وتأمين أقساط الجامعة والمستلزمات الأساسية.
وتضيف سارة أن التقديم على بعض المشاريع لا يُقابَل بأي رد، بينما يتم اختيار آخرين عدة مرات "بناءً على الوساطة"، وتختم بمرارة: "اللاجئ لم يعد يستطيع تأمين حاجياته، والأونروا اليوم لم تعد توفر سوى الطبابة، بعدما كانت الجهة الوحيدة التي تقف إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين".
خارج المخيمات... اللاجئون بلا مساعدات!
في بر الياس، تتحدث اللاجئة الفلسطينية "أم أحمد" عن معاناتها في تأمين دواء السكري والضغط، الذي غاب عن عيادات "أونروا" هذا الشهر، ما اضطر شقيقها إلى شرائه من الخارج وتقاسمه معها.
وتشير إلى أن المساعدات النقدية الشهرية (50 دولاراً) توقفت، وكانت تستخدمها لسداد فاتورة الكهرباء، وتلفت إلى غياب المساعدات عموماً في التجمعات الفلسطينية خارج المخيمات.
وفي سعدنايل، تشكو اللاجئة رينا مرزوق من ضعف الرعاية الصحية، وتقول: إن عيادة "أونروا" لا توفر سوى "البانادول وحبوب حماية المعدة"، فيما تتكفل عائلتها بدفع تكاليف الأدوية والمعاينات لدى الأطباء الخاصين.
وتقول رينا: "نحن ندفع من جيوبنا للحصول على دواء من المفترض أن توفره الوكالة". وتعاني والدة رينا من انزلاق غضروفي في الأرجل دون أي مساعدة تُذكر، وتختم بالقول: "الأونروا كانت تعطينا 50 دولاراً، تساعدنا قليلاً، والآن حتى هذا الدعم توقّف".
غياب المشاريع وتفاقم التهميش في مخيم الجليل
يوضح وليد عيسى، مسؤول الملف الاجتماعي في اللجان الشعبية التابعة لتحالف القوى الفلسطينية، أن "أونروا" لم تنفذ أي مشروع جديد في مخيم الجليل، وتذرّعت بنقص التمويل.
ويشير إلى أن برنامج ترميم منازل اللاجئين متوقف منذ أكثر من خمس سنوات، رغم رفع اللجان الشعبية عدة مذكرات تطالب بعودة المشاريع.
ويعرب عيسى عن قلقه مما وصفها بـ "القرارات العشوائية" للوكالة التي تُتخذ دون دراسة أثرها على اللاجئين، معتبراً أن الوكالة أصبحت رمزاً للفوضى والهدر، وتخلّت عن دورها الأساسي في ظل ما وصفه بـ"الظلم المزدوج" الذي يتعرض له اللاجئ الفلسطيني في لبنان، من قبل الدولة اللبنانية ووكالة "أونروا" معاً.
أزمة الدواء وتضييق في التحويلات الطبية
ويؤكد عيسى أن نسبة نقص الأدوية في عيادات "أونروا" تجاوزت 75%، ما يفاقم معاناة مرضى الأمراض المزمنة، في ظل غياب بدائل أخرى.
ولفت إلى وجود مشاكل متكررة بين اللاجئين والموظفين في العيادات، إضافة إلى زيادة القيود على تحويل المرضى للمستشفيات، وتحميل اللاجئين فروقات دخول المستشفى، مطالباً "أونروا" بإعادة تبني ملفات مرضى غسيل الكلى ومرضى السرطان وفتح سقف التغطية العلاجية كما في السابق.
كما انتقد عيسى برنامج "شبكة الأمان الاجتماعي" ووصفه بأنه لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات اللاجئين في لبنان، في حين يحصل اللاجئون في الدول الأخرى على مساعدات شاملة.
فيما يخص التعليم، يوضح عيسى أن تقليص خدمات "أونروا" انعكس بشكل مباشر على جودة التعليم، مشيراً إلى ضعف المناهج، وفصل المعلمين لأسباب سياسية تتعلق بالتعبير عن آرائهم، مؤكداً أن كل هذه الإجراءات تهدد بانهيار منظومة التعليم بالكامل.
منذ سنوات طويلة، يعاني اللاجئون الفلسطينيون في البقاع من نقص حاد في الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وإغاثة. واليوم، ومع استمرار هذا التراجع، يتساءل أبناء المنطقة: هل سيبقى البقاع مهمشاً بسبب بعده الجغرافي عن العاصمة، أم آن الأوان لإنصافه ووضع حد لسياسة التهميش؟ اللاجئون الفلسطينيون ينتظرون الجواب من وكالة "أونروا" والمجتمع الدولي.