حذّرت وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة من التعامل مع ما يعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) ووكلائها المحليين والدوليين، واصفةً المؤسسة الأمريكية بأنها تمثّل "تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني والاجتماعي في القطاع".

وأكدت الوزارة، في بيان رسمي صدر اليوم، حظر أي شكل من أشكال التعامل أو التعاون مع المؤسسة، بما في ذلك تقديم المساعدات أو التغطية الإعلامية، مشددةً على أن الجهات المختصة ستتخذ الإجراءات القانونية الصارمة بحق أي جهة أو فرد يثبت تورطه في التعاون معها، وصولًا إلى تطبيق أقصى العقوبات المنصوص عليها في القوانين الوطنية.

ودعت الوزارة جميع مكونات المجتمع الفلسطيني، من وجهاء وعائلات ومؤسسات ووسائل إعلام، إلى التحلّي بالوعي الوطني وتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية، محذّرةً من أن "المحاولات الخبيثة" للمؤسسة تستهدف الداخل الفلسطيني، وتسعى لتحويل العمل الإغاثي إلى أداة للابتزاز والتجويع.

إغلاق في سويسرا ومخاوف من عسكرة الإغاثة

بالتزامن، أعلنت الهيئة الاتحادية للرقابة على المؤسسات في سويسرا إغلاق مكتب "مؤسسة غزة الإنسانية" في مدينة جنيف يوم أمس، وهو المكتب الذي افتتح مطلع عام 2025 لتنسيق توزيع المساعدات الغذائية في غزة خارج إطار الأمم المتحدة.

ووفق التلفزيون السويسري الرسمي، فإن المؤسسة لا تمتلك عنوانًا قانونيًا أو تمثيلًا رسميًا في البلاد، ولم تتخذ أي خطوات لتسوية وضعها القانوني، ما دفع السلطات إلى إغلاق المكتب وقطع علاقتها بها بشكل نهائي.

من جانبها، طالبت منظمة "ترايل إنترناشونال" الحقوقية السويسرية بفتح تحقيق شامل في مدى التزام المؤسسة بالقانونين السويسري والدولي الإنساني، معبّرة عن قلقها من استخدام شركات أمنية خاصة في عمليات توزيع المساعدات، ما قد يحوّل العمل الإغاثي إلى أداة قمعية وعسكرية.

منظمات دولية: "مصائد موت" بدلًا من مراكز غذاء

وفي جنيف، وقّعت مطلع الشهر الجاري 171 منظمة حقوقية وإنسانية دولية، من بينها "أوكسفام" و"أطباء بلا حدود" و"العفو الدولية"، بيانًا مشتركًا دعت فيه إلى تفكيك منظومة توزيع المساعدات التي تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية"، بدعم من واشنطن وتل أبيب.

وأكد البيان أن هذه المنظومة تشكل خطرًا مباشرًا على حياة المدنيين الفلسطينيين، حيث تحوّل مواقع توزيع الغذاء إلى "مصائد موت"، وأضاف: "الفلسطينيون في غزة باتوا أمام خيار مستحيل: إما الموت جوعًا أو التعرض لإطلاق النار أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء".

وطالبت المنظمات بإعادة تفعيل آلية توزيع المساعدات الإنسانية بإشراف الأمم المتحدة، باعتبارها الجهة الأكثر قدرة على ضمان الامتثال للقانون الدولي الإنساني.

"أونروا": المساعدات تحوّلت إلى أداة قتل

ضمن المواقف المندّدة، وصفت مديرة المكتب الإعلامي لـ"أونروا" في غزة، في تصريحات صحفية اليوم، مؤسسة غزة الإنسانية بأنها "نظام غير فعّال وغير مصمّم لمواجهة الجوع"، مشيرةً إلى أن المؤسسة تدير فقط 4 مراكز توزيع، مقارنة بـ400 كانت تشرف عليها الأمم المتحدة سابقًا.

وأضافت أن نقص الوقود يؤثر بشكل مباشر على استمرارية الخدمات الإنسانية، مشددة على أن أكثر من 112 طفلًا يشخصون يوميًا بسوء التغذية في قطاع غزة، في مؤشر خطير على اتساع رقعة المجاعة.

أما المفوض العام لـ"أونروا"، فيليب لازاريني، فأكّد أن أكثر من 130 منظمة إنسانية طالبت بوقف عمل المؤسسة، لافتًا إلى أن عدد مراكز توزيع المساعدات تقلّص إلى 4 مواقع فقط، ذات طابع عسكري، منذ بدء نشاط المؤسسة في 27 أيار/مايو، بعدما كانت تغطي 400 نقطة.

وأوضح أن هذا النموذج الجديد أدى إلى مقتل أكثر من 500 فلسطيني جائع، وإصابة نحو 4000 آخرين أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء.

وفي شهادة مؤلمة، كشفت راشيل كامينغز، مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة "إنقاذ الطفولة"، أن أطفالًا قُتلوا بالرصاص في أكثر من نصف الحوادث الجماعية التي وقعت قرب مواقع توزيع الغذاء، مضيفةً: "قال لنا بعض الأطفال إنهم يتمنّون الموت ليلتحقوا بآبائهم وأمهاتهم الذين استشهدوا، ويجدوا الطعام والماء في الجنة".

وفي تأكيد للمخاطر المترتبة على هذا النموذج "العسكري" لتوزيع المساعدات، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الساعات الـ24 الماضية 118 شهيدًا و581 إصابة جراء قصف الاحتلال.

ووثقت الوزارة 12 شهيدًا وأكثر من 49 إصابة من بين المدنيين الذين كانوا بانتظار المساعدات الغذائية خلال الساعات الأخيرة، ما يرفع إجمالي شهداء "لقمة العيش" ممن وصلوا إلى المستشفيات منذ بدء تنفيذ نظام المساعدات الأمريكي عبر "مؤسسة غزة الإنسانية" إلى 652 شهيدًا وأكثر من 4,537 مصابًا.

هذه الأرقام الصادمة، إلى جانب التحذيرات الأممية والتقارير الحقوقية، تضع "مؤسسة غزة الإنسانية" ومموليها أمام اتهامات متصاعدة بتحويل المساعدات إلى أداة قتل جماعي ممنهج، بدلًا من أن تكون وسيلة لإنقاذ أرواح المدنيين في قطاع يواجه المجاعة والانهيار الإنساني.

 

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد