في منطقة صور جنوبي لبنان، التي تضم أكبر المخيمات والتجمعات الفلسطينية ، يعيش آلاف اللاجئين الفلسطينيين داخل ثلاثة مخيمات رئيسية هي: الرشيدية، البص، وبرج الشمالي، إضافة إلى تجمعات سكنية كالشبريحة والمعشوق وأبو الأسود وجل البحر وغيرها.
وعلى الرغم من الكثافة السكانية العالية للاجئين الفلسطينيين في هذه المنطقة، فإنها تعاني من تهميش واضح في خدمات وكالة "أونروا"، خاصة في مجالي التعليم والصحة، بحسب ما يشتكي اللاجئون الفلسطينيون.
ومع بدء تنفيذ "أونروا" لخطة دمج الصفوف الدراسية، ودمج المدارس لاحقاً، ارتفعت أصوات الأهالي والناشطين محذّرة من التبعات الخطيرة لهذه الخطوة، والتي رفعت أعداد الطلاب في الصف الواحد إلى نحو 45 طالباً، وسط غياب خطط واضحة تراعي الواقع التربوي والنفسي للطلاب، ما أثار حالة من القلق والتوتر في أوساط الأهالي.
دمج الصفوف.. هذا ليس تعليماً بل تدمير ممنهج
يحذر أحمد أبو الذهب، عضو قيادة جبهة التحرير العربية في منطقة صور، من أن اللاجئين الفلسطينيين في مناطق الشتات الخمس يتعرضون لـ"حملة ممنهجة لإنهاء خدمات الأونروا، بهدف شطبها كشاهد أساسي على نكبة اللاجئين الفلسطينيين".
ويوضح أبو الذهب لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن خطة دمج الصفوف التي بدأت هذا العام شملت مدارس مثل "ثانوية الأقصى" ومدارس ابتدائية ومتوسطة في مخيمات برج الشمالي، البص، الشبريحة، المعشوق وأبو الأسود، دون أي خطة مدروسة، ما أدى إلى احتجاجات من قبل الأهالي، وتساءل "كيف يمكن أن يتم التعليم بوجود 45 طالباً في الصف الواحد؟ هذا ليس تعليمًا، بل تدمير ممنهج".
كما اتهم "أونروا" بممارسة "قمع مباشر" بحق موظفيها، في إشارة إلى فصل أربعة أساتذة بسبب مشاركتهم في مظاهرات مؤيدة لفلسطين، ما يضع، بحسب قوله، جميع الموظفين تحت ضغط سياسي ونفسي كبير.
وأضاف أبو الذهب: أن خدمات وكالة "أونروا" الأخرى أيضاً تشهد تراجعاً واضحاً، حيث انخفضت المساعدة المالية من 50 دولاراً إلى 30، ثم إلى حصة غذائية لا تتجاوز قيمتها 10 دولارات، وهو ما يربطه بمحاولات تقليص تدريجية لدور الوكالة في حياة اللاجئين.
ودعا الدول العربية والإسلامية إلى تحمّل مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، محذراً من "سياسات التهجير القسري إلى أوروبا" نتيجة انعدام فرص العمل والتضييق الاقتصادي.
ما يحصل ليس أزمة تمويل بل حرب سياسية
من جهته، شدد الناشط المجتمعي حسين الشراري من مخيم الرشيدية على أن خطة دمج الصفوف "غير رسمية حتى الآن"، لكنها تنفذ فعلياً في عدد من المخيمات، حيث تم تقليص عدد المدارس من خمس إلى ثلاث في بعض المناطق، ما انعكس سلباً على جودة التعليم.
وقال الشراري إن ما يحصل ليس مجرد أزمة تمويل، بل حرب قانونية واقتصادية تهدف لإلغاء "أونروا" ونقل ملف اللاجئين إلى جهات دولية أخرى مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) وأضاف: "الضغط السياسي واضح، ويتم تقليص رواتب المعلمين وفصل البعض منهم لوضعهم تحت التهديد".
وعبّر أن ما يجري هو جزء من مخطط أشمل "لإضعاف التعليم كسلاح أساسي بيد اللاجئ الفلسطيني"، داعياً إلى توحيد الصفوف وتجاوز الخلافات، ومشدداً على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المرجعية السياسية التي يجب الالتفاف حولها في هذه المرحلة.
سياسة الحياد التي تتبعها (أونروا) تُمهّد لتسليم مؤسساتها لمنظمات دولية أخرى
كما علت اصوات اللاجئين ضد سياسات الوكالة ولا سيما التعليمية، وقال اللاجئ محمود من مخيم برج الشمالي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "نحن نعيش واقعاً صعباً بسبب تقليص الخدمات، خصوصاً في التعليم والطبابة. التعليم هو الأهم، وبدونه سنتحول إلى مجتمع جاهل". وتساءل: "إذا أُغلقت مدارس الأونروا، من يستطيع تحمّل نفقات المدارس الخاصة؟ نحن بالكاد نعيش!"
وأشار إلى أن بعض التعديلات التي طالت المناهج التعليمية بعد الدمج جاءت "بشكل اختصاري" يضعف المحتوى، واعتبر أن ذلك ليس صدفة، بل "جزء من خطة ممنهجة لإنهاء دور الأونروا".
وأضاف اللاجئ: "سياسة الحياد التي تتبعها الأونروا اليوم تُمهّد لتسليم مؤسساتها لمنظمات دولية أخرى، ونحن نرفض تسليم ملفنا لأي جهة أخرى".
أما الأخصائية الاجتماعية مريم من مخيم البص فترى أن النظام التعليمي والصحي في "أونروا" بحاجة إلى "إعادة تقييم جذري"، ولفتت إلى غياب أبسط التجهيزات في الصفوف من تدفئة وتبريد، ووجود عدد كبير من الطلاب يعانون من مشاكل نفسية وصعوبات تعليمية لا تتم معالجتها بالشكل المناسب.
وأضافت لموقعنا: "بعض الصفوف فيها فقط كتاب وأستاذ، وهناك أساتذة يعملون بضمير، وآخرون يعتبرونها مجرد وظيفة".
وشددت على أن دمج الصفوف بهذا الشكل، دون الرجوع للمجتمع المحلي، خطوة غير منصفة للتلاميذ، وقد تُعمق مشاكلهم النفسية والتعليمية، وطالبت بحقوق الأطفال في بيئة تعليمية آمنة، دافئة في الشتاء، ومكيفة في الصيف، وبمناهج تراعي قدراتهم، إضافة إلى ضرورة إنشاء مدارس متخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في كل مخيم.
من تجمع الشبريحا، تحدث محمد محمد، سكرتير الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في المنطقة، عن قرار دمج "مدرسة قيساريا" مع "مدرسة المعشوق" في مخيم البص، والتي تبعد نصف ساعة عن مكان سكنه، مؤكداً أنه غير قادر على تحمّل تكاليف نقل أطفاله الثلاثة يومياً.
وأضاف أن أبناءه باتوا بحاجة إلى دروس خصوصية بتكلفة 40 دولاراً شهرياً بسبب اكتظاظ الصفوف.
واعتبر أن قرارات "أونروا" المجحفة بحق الأساتذة والطلاب "جزء من سياسة ممنهجة لتهميش اللاجئين"، مشيراً إلى أن التجمع الذي يسكن فيه لا يضم سوى عيادة صحية واحدة، ولا وجود لأي خدمات تعليمية أو اجتماعية أخرى..
وفي ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة وغياب البدائل، يخشى اللاجئون من فقدان حق أبنائهم في التعليم، وسط تساؤلات متزايدة: هل تحاول الأونروا فعلاً تجريد اللاجئ الفلسطيني من "سلاحه الأخير" المتمثل في التعليم؟ أم أن هذه الإجراءات تمثل بداية قمع منظم لخنق المخيمات وحقوقها المشروعة؟