أصبحت 50 عائلة فلسطينية بلا مأوى مع حلول صباح اليوم الجمعة 4 تموز/ يوليو، عقب تهجير 30 عائلة قسراً من منازلها في تجمع عرب المليحات شمال غرب مدينة أريحا، شرقي الضفة الغربية، لتضاف إلى 20 عائلة أخرى اضطرت للرحيل بالأمس بعد سلسلة اعتداءات متصاعدة ارتكبها مستوطنون "إسرائيليون"، أقاموا بؤرًا استيطانية جديدة، إحداها مباشرة أمام أحد بيوت السكان، في مشهد وصف بأنه "إعلان حرب نفسية وطرد مباشر".
ويقطن نحو 85 عائلة فلسطينية في تجمع عرب المليحات بمدينة أريحا والتي تتعرض لهجمات منظمة من قبل عصابات المستوطنين بغطاء رسمي "إسرائيلي" هدفه التهجير القسري للفلسطينيين الذين رحل غالبيتهم والبقية يستعدون للرحيل.
وقال حسن مليحات، المشرف العام في منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو: إن السكان اضطروا لتفكيك مساكنهم وحزم أمتعتهم منذ الليلة الماضية تحت وطأة التهديد المستمر من المستوطنين المسلحين، مضيفاً: إن "عرب المليحات يغادرون مضاربهم البدوية قسرًا، وهم يشعرون بالخيبة والخذلان، بعدما وجهوا نداءات استغاثة عاجلة لم تلقَ استجابة".
وأكد أن المستوطنين أقاموا احتفالًا مع بدء نزوح السكان، ونصبوا صباح اليوم خيمة جديدة داخل التجمع، مشيرًا إلى أن هذه البؤر الاستيطانية تحولت إلى مراكز اعتداء دائم ومصدر إرهاب يومي، تتضمن الضرب وتدمير الخيام وسرقة المواشي وتسميمها، وسط تواطؤ واضح من جيش الاحتلال الذي يوفر الحماية للمستوطنين فقط.
وشدد مليحات على أن ما يحدث "ليس مجرد مضايقات بل هجوم منظّم مدعوم بأذرع الاحتلال الاستيطانية"، ويهدف إلى اقتلاع السكان دون أوامر قانونية، بل بالقوة والسلاح، مؤكداً أن ما جرى "إنذار لتكرار نمط التهجير في مناطق أخرى من الأغوار والضفة"، مطالبًا بتدخل دولي عاجل وفاعل، يتجاوز الإدانة اللفظية.
إحدى النازحات من تجمع عرب المليحات عالية مليحات (28 عامًا)، وصفت في حديثها لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، المعاناة القاسية التي مرت بها عائلتها خلال التهجير القسري قائلة: "نبحث الآن عن ظل جديد للسكن... لم يبقَ لنا لا بيت ولا مكان نلجأ إليه".
جمعت عالية، وهي الابنة الكبرى لعائلة من ستة أشقاء، ما استطاعوا من مقتنيات، ونقلوها بجرارات استعاروها من أقاربهم في تجمعات بدوية مجاورة، وانتقلوا إلى أطراف مخيم عقبة جبر.
وأضافت بحرقة: "منذ سنوات بدأت معاناتنا، المستوطنون يسرقون أغنامنا، ويسمّمون بعضها، وحتى المسجد أحرقوه أمام أعيننا... صبرنا ودافعنا عن أرضنا، لكنهم أصروا على طردنا".
وأكدت أن العديد من الأسر اضطرت لبيع مواشيها بسبب ضيق المكان الجديد وغياب الموارد، وهو ما يمثل ضربة للزراعة الفلسطينية وتدميرًا للنسيج الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.
من جانبه، أكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، مؤيد شعبان، أن ما جرى لعائلات عرب المليحات يندرج ضمن "خطة استعمارية واضحة تنفذها حكومة الاحتلال بقيادة الوزيرين "الإسرائيليين "يتسلئيل سموتريتش" و"ايتمار بن غفير"، بهدف تهويد منطقة المعرجات الاستراتيجية، التي تربط أريحا بباقي المدن الفلسطينية.
وأوضح أن الاعتداءات تسارعت منذ بدء حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وشملت سرقة الأغنام، الاعتداء على الأهالي والطلبة، وتقييد الوصول إلى المياه والأراضي، إضافة إلى إقامة بؤرة استيطانية داخل التجمع.
وقال شعبان: "طلبنا تدخل الصليب الأحمر، لكن المستعمرين كانوا مدججين بأدوات حادة، واستمروا في الاعتداء حتى اضطرت العائلات للفرار، رغم ذلك، لن نترك هذه العائلات وحدها، وسنوفر سبل معيشتهم".
ودعا إلى تحرك عاجل من الفصائل والمؤسسات والعائلات لوقف هذا النمط من التهجير المنظم، والبحث عن أشكال جديدة لإحياء المقاومة الشعبية.
وبحسب بيانات الهيئة، فقد أدت اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي إلى رحيل 30 تجمعًا بدويًا فلسطينيًا منذ أكتوبر 2023.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) قد حذر من تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية خلال النصف الأول من عام 2025، مؤكدًا أنها تفاقم أوضاع التهجير القسري، وتُقيّد وصول الفلسطينيين إلى الموارد الأساسية.
وجاء في تقرير صدر الثلاثاء أن المستوطنين نفذوا نحو 740 هجومًا موثقًا منذ بداية العام حتى نهاية حزيران/ يونيو الفائت، تراوحت بين اعتداءات جسدية وتخريب ومصادرة أراضٍ، وأسفرت عن إصابة 340 فلسطينيًا على الأقل، بينهم نساء وأطفال.
وأكد المكتب أن هذه الهجمات تُنفذ غالبًا تحت غطاء القوات "الإسرائيلية" أو بتواطؤ مباشر منها، داعيًا إلى توفير حماية دولية للفلسطينيين ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، ووقف سياسات العنف والاستيطان التي تُقوّض فرص السلام، وتنتهك القانون الدولي الإنساني.