كشفت تحليلات جديدة لصور الأقمار الصناعية أن حجم الدمار الذي ألحقته آلة الحرب "الإسرائيلية" بقطاع غزة يفوق بكثير ما كان يُعتقد سابقاً، وأظهر التحليل أن نحو 70% من المباني في القطاع باتت غير صالحة للسكن نتيجة تعرضها لأضرار جسيمة، ما يعكس حجم الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بقتل البشر وتدمير البيئة الصالحة للسكن في القطاع.
وبحسب تحليل أجراه "عدي بن نون" خبير نظم المعلومات الجغرافية في الجامعة العبرية، نشرته صحيفة " هآرتس" العبرية، فإن نحو 160 ألف مبنى تعرض لأضرار تفوق 25% من هيكلها، مشيراً إلى أن النسبة الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، نظراً لصعوبة رصد الأضرار الجانبية بواسطة الأقمار الصناعية ما لم يكن السقف مهدماً كلياً.
رفع دُمّرت بالكامل وغير صالحة لعودة الاهالي
ووفق تقديرات "بن نون"، فإن مدينة رفح التي كانت تضم نحو 275 ألف نسمة قبل الحرب، دُمّر منها 89% من المباني كلياً أو جزئياً، وهي النسبة الأعلى بين محافظات القطاع.
وتشير البيانات إلى أن نحو 2000 مبنى يُدمّر شهرياً في رفح منذ نيسان/ إبريل الماضي، ويأتي ذلك في ظل إعلان الحكومة "الإسرائيلية" مؤخراً عن خطتها لبناء ما يُسمى بـ"المدينة الإنسانية" على أنقاض رفح، بهدف تجميع غالبية سكان القطاع فيها.
ويؤكد "بن نون" أن "لا وجود لما يعود إليه سكان غزة، العالم الذي عرفوه لم يعد موجوداً، الخراب طال البيوت، المؤسسات التعليمية، أماكن العمل، والأراضي الزراعية. كل شيء تدمّر".
كما طال الدمار معظم مناطق قطاع غزة، ويشير تحليل البيانات، إلى نسب الدمار في كافة أنحاء القطاع، حيث بلغت في الشمال بما في ذلك بيت حانون، بيت لاهيا، ومخيم جباليا 84 % من نسبة المباني مدمّرة، أما في مدينة غزة فإن 87 % من المباني دُمّرت، وفي خان وفي دير البلح تضررت بنسبة 43 % من المباني، وهي النسبة الأقل حسبما أشار التقرير.
ارتفاع نسبة الدمار 15 % منذ نيسان/ إبريل الفائت
تُعد تقديرات بن نون أعلى من تلك التي أصدرتها الأمم المتحدة سابقاً، وكان مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة، قد بين سابقاً في بيانات شملت المدّة الزمنية حتى نيسان/ أبرريل الفائت تضرر أكثر من 50% من مباني القطاع بشكل كبير، مع مؤشرات لأضرار إضافية في نحو 15% من المباني.
كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى تدمير 2,308 منشأة تعليمية على الأقل، بما يشمل جميع الجامعات في القطاع، و501 من أصل 554 مدرسة غير صالحة للاستخدام دون ترميم شامل. أما البنية التحتية للطرق، فقد دُمر منها 81%.
وفيما يتعلق بركام المباني، فقد قُدّر وزنه بنحو 50 مليون طن، أي ما يعادل137 كيلوغراماً من الركام لكل متر مربع من أرض القطاع.
ويقدّر معهد أبحاث تابع للأمم المتحدة أن هذه الكمية تعادل 14 ضعف كمية الركام الناتج عن كل النزاعات المسلحة منذ 2008، وتوقعت الأمم المتحدة أن تستغرق عملية إزالة الركام 21 عاماً، بتكلفة تقارب 1.2 مليار دولار.
التدمير متعمد... ومقاولون مدنيون يحققون أرباحاً
في بداية الحرب، نتج الجزء الأكبر من الدمار عن قصف جوي مباشر أو تفجير مبانٍ بواسطة قوات الهندسة، التابعة لجيش الاحتلال، إلا أن الشهور الأخيرة شهدت اعتماداً متزايداً على آليات هدم ميكانيكية تُشغَّل بواسطة مقاولين مدنيين "إسرائيليين" تحت حماية الجيش.
وتفيد شهادات ضباط بأن بعض هؤلاء المقاولين يحصلون على ما يصل إلى 5000 شيكل عن كل مبنى يُهدم، ويضغطون على القيادات العسكرية لتوسيع نطاق التدمير وتأمين حماية خاصة لمعدّاتهم وسائقيها.
تدمير بـ"قدسية دينية"
وفي تعبير صارخ عن نزعة التدمير وإضفاء "قداسة دينية" عليها، قال الحاخام "أڤراهام زربيف" سائق جرافة (D9) ويؤدي خدمته الاحتياطية في الجيش، في مقابلة حديثة: "رفح اليوم نظيفة، لا وجود لرفح، شمال القطاع تقريباً على الأرض، يعملون الآن في خان يونس، وسيتم القضاء عليها أيضاً... الله يريد أن يكون العمل في غزة مجرد تنظيف للأرض، هذا الشر العظيم يجب أن يُمحى".
وتتقاطع هذه التصريحات مع سياسات الحكومة "الإسرائيلية" التي تسعى لدفع سكان غزة إلى الهجرة خارج القطاع، ففي اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست خلال أيار/ مايو، قال رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو": "نحن نُدمّر المزيد والمزيد من البيوت، لا يوجد لهم مكان يعودون إليه، النتيجة الوحيدة المتوقعة هي رغبة سكان غزة في الهجرة".
وأشار "نتنياهو" في أكثر من مناسبة إلى خطة ترامب للهجرة الطوعية، مؤكداً أن حكومته تبحث عن دول تستقبل اللاجئين من غزة، وأضاف: "أؤمن بأن أكثر من 50% سيخرجون، وبرأيي أكثر من ذلك بكثير".