في ظل ما تعيشه الطفولة الفلسطينية في المخيمات بلبنان من ظروف استثنائية وقاسية، يبرز مركز الطفل المبدع في مخيم البداوي شمالي لبنان كواحة صغيرة من الأمل، ومساحة آمنة تنمو فيها مواهب الأطفال، وتتفتح آفاقهم نحو الفرح والخيال والإبداع.
يستقبل المركز عشرات الأطفال يوميًا ضمن برامج تربوية وترفيهية متكاملة، تهدف إلى دعم نموهم النفسي والاجتماعي وتعزيز قدراتهم الفنية والحركية.
وفي لقاء مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، أكد مدير المركز فؤاد البنا أنه في ظل التحديات التي تواجه الأسر في تربية أطفالها وتوفير بيئات صحية وآمنة لتنشئتهم، تبرز الحاجة إلى مراكز متخصصة تعنى بتطوير مهارات الطفل وتعزيز قدراته منذ السنوات الأولى. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مركز أنشطة وتنمية للأطفال يستهدف الفئة العمرية من سنة واحدة حتى 12 سنة، ويوفر برامج متكاملة تهتم بالنمو العقلي والحركي والاجتماعي والعاطفي. وتوضح إحدى المشرفات أنه في زمن أصبحت فيه الأجهزة الذكية تحتل وقت الأطفال، يسعى المركز لتقديم بديل غني ومفيد من خلال أنشطة حركية وحسية وفكرية تستهدف الأطفال.
يلفت البنا إلى أن السنوات الأولى من عمر الطفل هي الأكثر تأثيرًا على تطوره المستقبلي، إذ يكتسب خلالها مهاراته الأساسية مثل اللغة والحركة والتواصل والاستقلالية وتنظيم المشاعر، ما يجعل تقديم الدعم الصحيح في هذه المرحلة أمرًا ضروريًا لبناء شخصية قوية ومتوازنة.
يركز المركز على تقديم باقة متنوعة من الأنشطة التي تراعي احتياجات كل فئة عمرية، منها الأنشطة الحركية والترفيهية لتعزيز النمو الجسدي والتنسيق الحركي، والورشات الفنية والموسيقية لتنمية الحس الإبداعي والتعبير عن الذات، وبرامج دعم التعلم المبكر للأطفال من عمر سنة حتى ست سنوات، وجلسات تنمية المهارات الاجتماعية مثل التعاون وحل المشكلات والتعبير عن المشاعر، إضافة إلى أنشطة خاصة بالعطل والمناسبات لتحفيز الأطفال على التفاعل وتكوين الصداقات.
كما تشمل الأنشطة أنشطة حسية مثل صناعة المعجون، واللعب بالجيل، والمعجون المائي مع إضافات طبيعية لتنمية الإحساس والخيال، إلى جانب التلوين والفنون من خلال تلوين الجدران والجبصين والخشب وصناعة جداريات بأيدي الأطفال، مع مراعاة احتياجات الأطفال ذوي الإعاقات مثل التوحد أو اضطرابات كهرباء الدماغ، وتوفير إشراف دائم لضمان سلامتهم واندماجهم.
ومن بين أبرز أنشطة المركز ورشات الرسم والتلوين التي تمنح الأطفال مساحة للتعبير عن أنفسهم بحرية، حيث تصف إحدى المشرفات الرسم بأنه ليس مجرد نشاط، بل وسيلة تعبير صامتة عن مشاعر الطفل وفرصة لتفريغ الضغوط والكوابيس التي قد يحملها من واقعه المحيط، مضيفة أن الرسومات لا تخلو من البيوت والشجر والسماء، لكن أحيانًا تظهر فيها دبابات وأعلام وأبواب مغلقة، وهي إشارات واضحة إلى ما تختزنه طفولتهم من أوجاع يتم تحويلها في المركز إلى ألوان وأمل.
المركز يقدّم أنشطة متنوعة لا تقتصر على الترفيه، بل تشمل جلسات دعم نفسي وتدريبات حياتية تراعي أعمار الأطفال، وتعزز وعيهم ومرونتهم، إلى جانب العمل مع أولياء الأمور لتقديم الإرشاد ومساندتهم في متابعة تطور أبنائهم. ويمثل نموذجًا حيًا لأهمية تمكين الطفولة حتى في أصعب البيئات، فإتاحة الفرصة للطفل للرسم والسباحة واللعب ليست رفاهية، بل هي حق أساسي ومساحة ضرورية للنمو والتعافي.