أثار إعلان "إسرائيل" عزمها احتلال على مدينة غزة رفضًا دوليًا وفلسطينيًا واسعًا، وسط تحذيرات من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تصعيد كارثي في الأوضاع الإنسانية والسياسية في القطاع المحاصر، مما يفاقم معاناة المدنيين الفلسطينيين، مع دعوات بالتحرك على صعيد المنظمات الدولية.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، اليوم الجمعة 8 آب/أغسطس، أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) وافق على اقتراح نتنياهو بالسيطرة على مدينة غزة، ضمن خطة أمنية جديدة تهدف إلى إنهاء الحرب في القطاع المستمرة منذ شهور.
وقال بيان رسمي صادر عن مكتب نتنياهو إن جيش الاحتلال "يستعدّ للسيطرة على مدينة غزة، مع توزيع مساعدات إنسانية على السكّان المدنيين خارج مناطق القتال"، في إشارة إلى نية إخراج المدنيين من مناطق المواجهة داخل المدينة لتسهيل العمليات العسكرية.
وأشار البيان إلى أن مجلس الوزراء الأمني صوّت بالأغلبية لصالح إقرار خمسة مبادئ رئيسية لإنهاء الحرب، وهي: نزع سلاح حركة حماس، إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين – أحياءً وأمواتًا، نزع سلاح قطاع غزة بالكامل، فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة، وإقامة إدارة مدنية بديلة لا تتبع لا لحماس ولا للسلطة الفلسطينية.
ووفق البيان، فإن "أغلبية ساحقة من وزراء الحكومة اعتبروا أنّ الخطة البديلة التي عرضت على (الكابينت) للنظر فيها لن تهزم (حماس)، ولن تعيد الأسرى"، دون توضيح تفاصيل إضافية بشأن الخطة البديلة المشار إليها.
وجاء هذا القرار بعد ساعات فقط من تصريحات لنتنياهو خلال مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، أكد فيها عزمه السيطرة على القطاع، لكن دون إدارته. وردًا على سؤال بشأن ما إذا كانت "إسرائيل" تنوي السيطرة على كامل القطاع، قال: "نعتزم ذلك"، مضيفًا: "لا نريد الاحتفاظ بغزة. نريد إقامة منطقة أمنية، لكننا لا نريد حكمها".
السلطة الفلسطينية: "جريمة مكتملة الأركان وسياسة إبادة جماعية"
من جهتها، رفضت الرئاسة الفلسطينية بشكل قاطع ما وصفته بـ"القرارات الخطيرة" التي أقرها الكابينت "الإسرائيلي"، ووصفتها في بيان صادر عنها بأنها: "إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، وتهجير ما يقارب مليون فلسطيني قسرًا من مدينة غزة وشمالي القطاع إلى الجنوب، في جريمة مكتملة الأركان".
وأكد البيان أن هذه الخطة تمثل "استمرارًا لسياسة الإبادة الجماعية، والقتل الممنهج، والتجويع، والحصار"، معتبرًا أنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية".
كما حذرت الرئاسة الفلسطينية من أن هذه السياسات "ستقود إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة"، واعتبرت أنها تمثل جرائم ضد الإنسانية تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وأضافت أن ما يحدث في غزة يرتبط أيضًا بما يجري في الضفة الغربية، من توسع في الاستيطان، وضمّ للأراضي الفلسطينية، واعتداءات على المقدسات، وحجز للأموال الفلسطينية، وتقويض لمؤسسات الدولة الفلسطينية.
حماس: "جريمة حرب جديدة وقرار فاشي بالتهجير والتطهير العرقي"
من جانبها، أصدرت حركة حماس بيانًا أدانت فيه بشدة قرار الكابينت، ووصفته بأنه "جريمة حرب جديدة" يعتزم جيش الاحتلال ارتكابها بحق المدينة وسكانها الذين يناهز عددهم المليون نسمة.
وقالت الحركة إن "ما أقرّه المجلس الوزاري الصهيوني من خطط لاحتلال مدينة غزة وإجلاء جميع سكانها، يشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان، تخطّط حكومة الاحتلال الفاشي لتنفيذها، في استمرارٍ لسياسة الإبادة والتهجير القسري، والممارسات الوحشية التي ترقى إلى التطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني".
وانتقدت حماس بشدة محاولة الاحتلال الالتفاف على المصطلحات القانونية من خلال استبدال كلمة "احتلال" بـ"سيطرة"، معتبرة ذلك "تلاعبًا بالألفاظ" لا يعفي "إسرائيل" من مسؤوليتها القانونية بموجب اتفاقيات جنيف.
وأشارت الحركة إلى أن قرار احتلال غزة "يعكس استخفاف حكومة نتنياهو بحياة الأسرى الإسرائيليين"، إذ إن توسيع العمليات العسكرية يهدد حياتهم بشكل مباشر، مما يفضح – بحسب البيان – "عقلية الاستهتار بأرواح الأسرى في سبيل أوهام سياسية فاشلة".
ووجهت حماس تحذيرًا مباشرًا لـ"إسرائيل"، معتبرة أن هذه المغامرة "ستكلف الاحتلال أثمانًا باهظة"، وأضافت: "شعبنا ومقاومته عصيّان على الانكسار أو الاستسلام، وستبوء خطط نتنياهو وأطماعه وأوهامه بالفشل الذريع".
فصائل المقاومة: احتلال غزة إعلان نية للإبادة الجماعية
من جهتها، شددت فصائل المقاومة الفلسطينية، في بيان مشترك لها أمس، على أن أي احتلال مباشر لقطاع غزة سيعد إعلان نيات للإبادة الجماعية، مؤكدة أن هذا التوجه "لن يمر دون رد قاسٍ".
وقالت الفصائل إنّ: "المقاومة ستدخل مرحلة جديدة أكثر إيلامًا للاحتلال إذا أقدم على خطوة السيطرة الكاملة أو التهجير القسري"، مضيفة أن "غزة لن تدار لا من تل أبيب ولا من أي عاصمة أجنبية".
وأكدت الفصائل أن أسرى الاحتلال لن يخرجوا إلا عبر المفاوضات وبأثمان باهظة، مشيرة إلى أن العدو "واهم إن ظن أنه قادر على إعادة احتلال القطاع أو فرض وصاية عليه".
وأشادت الفصائل بوحدة موقفها الميداني، مؤكدة أن تصريحات نتنياهو تعكس "عجزًا سياسيًا وميدانيًا بعد عامين من الفشل في كسر إرادة شعبنا رغم ارتكاب أبشع المجازر".
مواقف عربية ودولية رافضة للخطة الإسرائيلية
قال مسؤول أردني لـ"رويترز" إن العرب لن يدعموا إلا ما يتفق عليه الفلسطينيون ويقررونه، وذلك بعد تصريح رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو بأن "إسرائيل" تريد تسليم غزة لقوات عربية تتولى حكمها.
وأضاف المسؤول أن الأمن في غزة يجب أن يتم عبر المؤسسات الفلسطينية الشرعية، مؤكدًا: "لن يوافق العرب على سياسات نتنياهو، ولن يصلحوا ما أفسده".
في السياق الدولي، دعا رئيس وزراء السويد أولوف كريسترسون أوروبا لاتخاذ إجراء ضد "إسرائيل"، قائلًا: "الوضع في غزة مروع للغاية، وإسرائيل لا تفي بالتزاماتها بشأن المساعدات الطارئة".
وطالب الاتحاد الأوروبي بتجميد الجزء التجاري من اتفاقية الشراكة مع "إسرائيل" في أسرع وقت ممكن، مشددًا على ضرورة زيادة الضغط الاقتصادي على الحكومة الإسرائيلية للسماح بدخول الإغاثة إلى غزة دون عوائق.
من جهتها، أعربت الصين عن قلقها البالغ حيال خطة "إسرائيل" للسيطرة على كامل مدينة غزة، داعيةً إلى وقف هذه التحركات الخطيرة فورًا، ومؤكدة أن "غزة للفلسطينيين وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية".
بدورها، أدانت تركيا بأشد العبارات قرار "إسرائيل" باحتلال قطاع غزة بالكامل، واعتبرته مرحلة جديدة من سياسة التوسع والإبادة الجماعية في المنطقة.
وذكرت وزارة الخارجية التركية في بيان، الجمعة، أن كل خطوة تتخذها حكومة نتنياهو "الأصولية" لمواصلة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين وتوسيع الاحتلال تشكل ضربة قاسية للسلام والأمن الدوليين، وتزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، وتعمق الأزمة الإنسانية.
وأضاف البيان أن السلام الدائم في المنطقة لن يكون ممكنًا إلا من خلال سيادة القانون الدولي، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية، وحماية حقوق الإنسان الأساسية، داعيًا "إسرائيل" إلى وقف خططها الحربية، وقبول وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات نحو حل الدولتين.
كما حثّت أستراليا "إسرائيل" على عدم اتباع هذا المسار، مؤكدة أن التهجير القسري الدائم انتهاك للقانون الدولي، وداعية إلى وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات دون عوائق، مع مطالبة حماس بإعادة المحتجزين "الإسرائيليين".
مفوضية الأمم المتحدة تدعو لوقف الخطة "الإسرائيلية" لاحتلال غزة
كما دعا رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الجمعة، إلى الوقف الفوري لخطة الحكومة الإسرائيلية "الهادفة إلى السيطرة العسكرية التامة على قطاع غزة المحتل".
وقال تورك إن ذلك "مخالف لقرار محكمة العدل الدولية، القاضي بوجوب أن تضع إسرائيل حدًّا لاحتلالها في أقرب وقت ممكن، وتحقيق حل الدولتين وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم".
وأضاف أن "كل المؤشرات تدل على أن هذا التصعيد الجديد سيؤدي إلى نزوح قسري أكبر، والمزيد من القتل والمعاناة التي لا تحتمل، وتدمير جنوني وجرائم مروعة".
وطالب الحكومة الإسرائيلية بالسماح بدخول المساعدة الإنسانية إلى القطاع "بدون عقبات"، بدلًا من تكثيف الحرب، وإنقاذ أرواح المدنيين، مع وجوب إطلاق سراح الجنود الأسرى "فورًا وبدون شروط".
كما شدد على ضرورة الإفراج عن الفلسطينيين الذين تحتجزهم "إسرائيل" بصورة تعسفية، مؤكدًا أن الأمم المتحدة تعارض أي توسيع للهجوم الإسرائيلي على غزة.
وأضاف المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، في نيويورك: "نقف بحزم ضد أي تصعيد للصراع. لقد كان الأمر بالفعل مدمّرًا للغاية، وهناك احتمال لمستويات هائلة من المعاناة الإنسانية، بما في ذلك مجاعات محتملة إذا تفاقم الصراع".