بعد مرور عامين على بدء حرب الإبادة المستمرة ضد قطاع غزة، ما يزال آلاف الأسرى والمعتقلين من أبناء القطاع يواجهون أوضاعًا مأساوية في سجون ومعسكرات "الاحتلال الإسرائيلي"، وسط تصاعد الانتهاكات التي وصفتها المؤسسات الحقوقية بأنها جرائم غير مسبوقة من حيث القسوة والتنكيل الممنهج.
وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، في تقرير مشترك، إن معتقلي غزة يتعرضون لحملة قمع وحشية تشمل العزل الانفرادي، التجويع، الضرب والإهانة، والحرمان من العلاج، إضافة إلى ممارسات ممنهجة ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأوضح التقرير أن قسم "راكيفت" تحت الأرض في سجن "الرملة"، ومعسكر "سديه تيمان" العسكري، شكلا أبرز العناوين لانتهاكات الاحتلال بحق المعتقلين من غزة، حيث سجلت شهادات مروعة حول التعذيب الجسدي والنفسي والتنكيل المتعمد.
ويقضي الأسرى في "راكيفت" 23 ساعة يوميا في زنازين مغلقة، ولا يخرجون سوى ساعة واحدة إلى ساحة إسمنتية شبه مظلمة للتنفس، ويمنعون من الحديث فيما بينهم، كما يسمح لهم بالاستحمام سبع دقائق فقط، ويحرمون من الزيارات العائلية والاتصال بالخارج ولقاء المحامين أو المثول أمام المحاكم.
وتزعم سلطات الاحتلال أنه مخصص لاحتجاز أسرى "النخبة" والقوات الخاصة التابعة لكتائب القسام، حيث شيد المعتقل في حفرة عميقة تحت الأرض محاطة بطبقات سميكة من الإسمنت المسلح، ومحصنة بأنظمة مراقبة إلكترونية متطورة تدار عن بعد. زنازينه ضيقة بلا إضاءة ولا تهوية، جرى تقسيمها لاحتجاز ثلاثة معتقلين في كل زنزانة، فيما الحراس مجهولون، يخفون وجوههم ولا يعرف بعضهم بعضا.
وأكد محامون زاروا القسم أنّ الأسرى خرجوا للزيارة، وهم يجهشون بالبكاء، بعدما أجبروا تحت التهديد على الادعاء بأن ظروف اعتقالهم ممتازة، في حين كانوا مكبلين، منهكين، ويعانون آثار الضرب والتجويع.
ووفقًا للإفادات التي تمكنت الطواقم القانونية من توثيقها، فإن مراحل التحقيق مثّلت إحدى أبشع حلقات الجحيم التي واجهها الأسرى، حيث استخدمت سلطات الاحتلال أساليب "الديسكو"، "الشبح"، والضرب المبرح على مدى أيام متواصلة.
شهادات الأسرى عكست حجم الانتهاكات التي كشفت عن بعضٍ منها: تكسير أصابع، ضرب على الرأس والأعضاء الحساسة، تعذيب بالكلاب البوليسية، إضافة إلى حرمانهم من النوم والطعام لفترات طويلة، بينما أكد بعض المعتقلين أنهم فقدوا الوعي عدة مرات جراء الضرب، وأنهم يعانون حتى اليوم من إصابات مزمنة في الصدر والكلى، وفقدان البصر والسمع.
تقرير مؤسسات الأسرى شدّد على أنّ التجويع يشكّل سياسة ممنهجة ضد المعتقلين، حيث لا يقدم لهم سوى القليل من الطعام غير الصالح للأكل، بالكاد يكفي فردًا واحدًا في زنزانة كاملة. وأشار إلى أنّ جميع المعتقلين يعانون نقصًا حادًا في الوزن وهزالًا شديدًا، فضلًا عن انتشار الأمراض والأوبئة، وفي مقدمتها مرض "الجرب/ السكابيوس" الذي تفشّى نتيجة حرمان الأسرى من مقومات النظافة والعلاج.
ومن جهته، أشار نادي الأسير إلى أنّ الاحتلال كثّف من استهداف قيادات الحركة الأسيرة منذ بداية الحرب، عبر العزل الانفرادي الطويل في سجني "مجدو" و"جانوت"، وتعرضهم لاعتداءات متكررة بالضرب والإذلال. وأبرز تلك الاعتداءات ما تعرّض له القائد الأسير حسن سلامة خلال نقله من "مجدو" إلى "جانوت"، حيث هوجم بوحشية وهو مقيّد اليدين والقدمين، كما ظهر القائد مروان البرغوثي في مقطع فيديو من عزله في "جانوت"، خلال زيارة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي وجّه له تهديدات مباشرة.
وبحسب المعطيات الأخيرة، ارتقى 46 أسيرًا ومعتقلًا من غزة ممن عُرفت هوياتهم، من بين 76 أسيرًا استشهدوا منذ بداية حرب الإبادة، نتيجة التعذيب، الإهمال الطبي، التجويع، أو الإعدامات الميدانية داخل السجون والمعسكرات.
وحملت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الاحتلال المسؤولية الكاملة عن مصير آلاف الأسرى في السجون، محذرين من محاولات متعمدة لتصفية قيادات الحركة الأسيرة.
وجددت المؤسسات مطالبتها للمنظومة الحقوقية الدولية بالتحرك العاجل لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائم الحرب، وفرض عقوبات فعلية تضع حدًا لحالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الاحتلال حتى الآن.
وأكدت المؤسسات أنّ "كل يوم يمرّ على الأسرى، وخاصة المعزولين من غزة، يشكّل زمنًا مضاعفًا من العذاب لا يمكن مقارنته بأي مرحلة سابقة"، مشددة على أنّ استمرار هذه الجرائم يهدد حياة الآلاف، ويجعل من إنقاذهم مسؤولية إنسانية عاجلة.