من قلب سوق عين الحلوة في صيدا، الذي كان في السنين الماضية يعجّ بالحركة والمتسوقين من داخل المخيم وخارجه، يختلف المشهد اليوم، حيث يخيّم الركود القاتم على الصورة. واجهات فارغة، عربات خضار نصف ممتلئة، وتجار يتهامسون بكلمة واحدة تلخص الحال: "دمار".
"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" جالت في السوق، ورصدت الأزمة التي تخنق الناس قبل الباعة أنفسهم، وأسبابها التي تشابكت بين تقليص خدمات "أونروا"، وتأخير رواتب منظمة التحرير، وتراجع القدرة الشرائية، فضلاً عن عراقيل الدخول والخروج من المخيم بسبب الحواجز الأمنية، والمناخ الحار، والمشاكل الأمنية التي ضخّمتها وسائل الإعلام.
التجار: السوق يحتضر
يقول عبد الله إسماعيل، صاحب محمصة: "أكثر كلمة متداولة في السوق اليوم هي: دمار، دمار، بين التجار أنفسهم، فقد أصبحت كلمة تعبّر عن السوق وكم أصبح ضعيفاً".
ويوضح في حديثه لموقعنا: "السوق يعتمد دائماً على البيئة الفلسطينية، أي المخيمات، ويعتمد أيضاً على الناس القادمين من الخارج. اليوم، مع تقليص خدمات أونروا وغياب الرواتب من أي منظمة تقريباً، تأثر المجتمع الفلسطيني كثيراً؛ لأنه لم يعد هناك مال متداول، ومعه تراجعت الحركة في الأسواق".
كما يشير إسماعيل إلى التدابير الأمنية التي يفرضها الجيش اللبناني على مداخل المخيم، والتعاطي الإعلامي مع المخيم ودورهما في مفاقمة الأزمة، ويقول: "الزحمة على الحواجز الأمنية في هذا الحر الشديد منعت الناس من الدخول إلى المخيم. أضف إلى ذلك بعض المشاكل الأمنية التي ضخّمتها وسائل الإعلام، ساهمت في دفع السوق نحو الأسوأ".
الخسائر تتفاقم
أما سعيد نوفل، بائع خضار، فيصف الحال قائلاً: "لي في السوق خمس سنوات، لكن هذه الحالة التي وصل إليها السوق لم أشهدها من قبل. عادةً كان السوق أقوى وأكثر حيوية، أما الآن فالوضع مختلف تماماً".
ويتابع: "السوق ضعيف جداً هذه الأيام، الناس لا تملك المال، والحر شديد، والسوق فارغ من الزبائن. كنا نبيع يومياً 150 كيلوغراماً، اليوم بالكاد نبيع 60 أو 70 كيلوغراماً، وحتى تشكيلة البضائع ضعفت مع ضعف القدرة الشرائية".
انهيار القوة الشرائية
من جهته، يوضح أحمد عويد، بائع خضار، حجم التراجع قائلاً: "المعيشة في المخيم تأثرت اجتماعياً بنسبة 90% وليس 50%، وذلك لأنّ أونروا ألغت 50% من خدماتها. ثانياً: منظمة التحرير لم تعد تدفع الرواتب بانتظام، مرة كل شهر، وأحياناً كل شهرين أو ثلاثة".
ويشير عويد إلى "تقصير كبير جداً من المسؤولين عن الشأن الفلسطيني في دعم المعيشة"، لافتاً إلى أنّ البطالة ارتفعت بشكل واسع، ويقول: "حركة السوق تراجعت بنسبة 70%. بعدما كنا نبيع يومياً خمس أو ست سيارات من البضائع، بالكاد نبيع نصف حمولة سيارة في بعض الأيام".
ويتمنى عويد أن يعود السوق كما كان، ويقول: "أتمنى أن يعود السوق كما كان قبل عشر سنوات، حيث كانت الحركة تعجّ كل خميس، وكانت البسطات تأتي من صور خصيصاً إلى عين الحلوة. كان السوق ممتلئاً بالحركة والعروض. أتمنى أن يعود الجوار لزيارة المخيم، لأنه في الحقيقة لا يوجد فيه ما يخيف".
أما منذر حمزة، صاحب محمصة، فيختصر معاناة الناس بالقول: "الشعب الفلسطيني يعاني كثيراً، خصوصاً في الوقت الحالي. أونروا أوقفت خدماتها، ومنظمة التحرير وفتح قلّصت الرواتب، وأحياناً لا تدفع سوى نصفها، وأحياناً تمر شهور بلا معاشات".
ويضيف حمزة: "الأسواق الفلسطينية في مخيم عين الحلوة لم تعد كما كانت. في السابق كان التاجر يفتح من الصباح، ويغلق مع آذان المغرب، أما اليوم فالبياعات قليلة والناس تعاني كثيراً. الرواتب صعبة والحياة أصبحت أكثر صعوبة. فسابقاً كان يأتي زوار من خارج المخيم، أما الآن فالسوق يقتصر على أبناء المخيم فقط، الذين بدورهم يعانون التقليصات".
أما زيد خليل، شيف مطعم سمك، فيؤكد أن الأزمة لم تقتصر على السوق، بل طالت موائد البيوت نفسها، ويقول لموقعنا: "حتى وجبة الطعام في البيت باتت متأثرة، إذا كانت المائدة المنزلية تتأثر، فكيف الحال مع من يريد شراء طعام جاهز من الخارج؟ الحركة بالتأكيد أصبحت أضعف بكثير".
شاهد/ي التقرير