أطلق عدد من المؤسسات الأهلية في مخيم نهر البارد شمال لبنان مبادرة تعليمية – ثقافية تحت عنوان "المدرسة الوطنية الفلسطينية - راجع"، تسعى إلى تعزيز الوعي الوطني والثقافي لدى الأطفال داخل المخيم، عبر ربط الأجيال الناشئة بتاريخ وجغرافيا فلسطين.
وتقوم المبادرة على تقديم مواد مبسطة للأطفال تتناول أربعة محاور أساسية، تبدأ من مرحلة الاستعمار البريطاني ووعد بلفور، مروراً بنكبة عام 1948 والنكسة الفلسطينية، وصولاً إلى المعارك الأخيرة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الاحتلال الصهيوني.
ويهدف القائمون على المبادرة إلى خلق مساحة معرفية للأطفال، تساهم في ترسيخ الهوية الفلسطينية، وتمكين الجيل الجديد من فهم مسار القضية بمختلف محطاتها التاريخية، بما يحفظ الذاكرة الجمعية من الاندثار، ويؤكد على حق العودة كخيار ثابت للاجئين الفلسطينيين.
وتأتي هذه الخطوة في ظل ظروف معيشية صعبة يواجهها أهالي المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث يسعى الناشطون إلى جعل الوعي الوطني أولوية موازية للحاجات الاجتماعية والإنسانية، تأكيداً على أن التمسك بالقضية هو أساس الصمود في وجه سياسات التهميش والحرمان.
ناصر قمر: المبادرة تعويض عن نشاطات افتقدها المخيم
ناصر قمر، ممثل "مبادرة معاً" في مخيم نهر البارد وعضو الشبكة المجتمعية، اعتبر أن المشاركة في "المدرسة الوطنية" هي "مشاركة أساسية" كونها تسعى لتعويض نشاطات افتقدها المخيم منذ سنوات.
وقال: "حاولنا قدر الإمكان توظيف قدراتنا ومعرفتنا الوطنية لنكون جزءاً من هذه التجربة الفريدة، في وقت تلتزم فيه معظم المؤسسات الدولية وحتى المحلية بقانون الحيادية. أردنا أن نقول إننا أحرار في مجتمعنا وأفكارنا، وقادرون على تثقيف أطفالنا وطنياً. شعرنا أن جزءاً كبيراً من فلسطين بدأ يُنسى من ذاكرة أطفالنا، ومن هنا جاء إصرارنا على أن لا نسمح لهم بنسيان قضيتهم الأساسية".
وأضاف قمر أن الشبكة اجتمعت لتضع نصب عينيها أولويات الطفل الفلسطيني في ظل ما يتعرض له قطاع غزة من حرب إبادة، مؤكداً أن المبادرة شكلت "نوعاً من المقاومة والتضامن مع أهلنا في غزة، إلى جانب كونها وسيلة لغرس فلسطين في مقدمة وعي الأطفال تاريخياً وجغرافياً".
الهوية الفلسطينية في مواجهة التحديات
من جهته، أكد أحمد عبد المعطي، ممثل أفواج الإطفاء الفلسطينية في مخيم نهر البارد، أن المبادرة جاءت استجابة لتراجع الثقافة الوطنية لدى الجيل الجديد.
وقال: "نظراً للظروف التي يعانيها الشعب الفلسطيني وتدني الثقافة الوطنية لدى الجيل الصاعد، قررنا أن نكون شركاء في هذه المدرسة إلى جانب عدد من المؤسسات ضمن الشبكة المجتمعية في الشمال".
وأضاف" مثل هذه المبادرات ضرورية لتعزيز الهوية الفلسطينية وتنشئة الجيل الجديد على التاريخ الفلسطيني، وغرس حق العودة في فكر الناشئة".
ولفت عبد المعطي، إلى أن المبادرة لاقت "أثراً إيجابياً كبيراً لدى الطلاب والأهالي والمجتمع المحيط"، مشيداً بمستوى التفاعل والتشجيع، ومؤكداً أن الأفواج ساهمت في التنسيق والتدريب وتوفير متطوعين لإنجاح المدرسة الوطنية.
غرس حب فلسطين في نفوس الجيل الجديد
أما وفاء أبو لبدة، ممثلة الجمعية الأهلية، فأشارت إلى أن الهدف من المبادرة هو "زيادة التوعية بالقضية الفلسطينية عبر سرد تاريخ وجغرافيا فلسطين، وترسيخ الثقافة الوطنية".
وأضافت: "نحن أمام جيل صاعد لا يعرف الكثير عن قضيته، رغم مشاهدته للجرائم اليومية على شاشات التلفزيون. لذلك كان لا بد من أن نغرس فيهم حب فلسطين وأرضها باعتبارها حقاً للشعب الفلسطيني، وللتأكيد على أن الاحتلال هو المعتدي الذي يواصل القتل والدمار".
من جهتها، أوضحت صفاء موعد، مسؤولة الإعلام في المدرسة الوطنية، أن مشاركتها تركزت على الجانب الإعلامي والتوثيقي، قائلة: "أشارك في هذه المبادرة من خلال إنتاج الفيديوهات وتوثيق الأنشطة عبر التصوير. أعمل على إعداد مقاطع فيديو قصيرة تُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي، وتُبسّط محاور تاريخ فلسطين بطريقة جذابة للأطفال. كما أوثق الفعاليات والأنشطة في المخيم لنشر الوعي وتثبيت الجهود الوطنية المبذولة".
بداية واعدة رغم الإمكانيات المحدودة
ورغم الإمكانيات المحدودة جداً، وصف المنظمون التجربة بأنها "بداية موفقة"، مع التأكيد على نيتهم تطويرها مستقبلاً لتشمل الأمهات والأهالي، بحيث يتحولون إلى "مدرس أساسي" ينقل تاريخ وجغرافيا فلسطين لأبنائهم.
واعتبر القائمون على المبادرة أن هذا الجهد البسيط في مخيم نهر البارد يشكل جزءاً من معركة الوعي التي يخوضها الفلسطينيون في المخيمات والشتات، لإبقاء فلسطين حاضرة في عقول وقلوب الأجيال القادمة، في مواجهة سياسات التغييب والنسيان.