رغم أنه يُعدّ واحداً من أصغر المخيمات الفلسطينية مساحةً وعدداً في لبنان، يعيش مخيم مار الياس في العاصمة بيروت أزمات إنسانية ومعيشية خانقة لا تقل قسوة عن تلك التي تشهدها باقي المخيمات، إذ يختصر سكانه في تفاصيل يومهم معاناة اللجوء الممتدة منذ عقود.
فبين ضيق البيوت وتراجع الخدمات وارتفاع معدلات البطالة، يتقاسم أبناء المخيم واقعا مثقلاً بالحرمان والضغوط.
وخلال جولة ميدانية لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" داخل المخيم، عبّر الأهالي عن أبرز المشكلات التي تواجههم، حيث قال أحد اللاجئين: "الحياة في المخيم جميلة بروابطها الاجتماعية، لكن المعاناة كبيرة. البيوت ضيقة ومتصلة ببعضها، وإذا أردت إصلاح منزلك فأنت بحاجة إلى عشرات الأذونات من الجهات اللبنانية. الرطوبة تملأ المنازل، وأسلاك الكهرباء متداخلة مع خراطيم المياه، وقد يتسبب أي تماس بخطر الموت".
لاجئ آخر أشار إلى الضائقة المعيشية قائلاً: "المعاناة اليوم معيشية بالدرجة الأولى. الرواتب قليلة، والإيجارات مرتفعة جداً، وكلفة المعيشة فوق طاقة الجميع. نتمنى أن يتحسن الوضع قريباً".
أما لاجئة من أبناء المخيم فاشتكت من غلاء الخدمات قائلة:"اشتراكات الكهرباء مرتفعة جداً، والحياة صعبة على الجميع، خاصة بعد وقف وكالة 'أونروا' لمعونة الخمسين دولار، التي كنت أستخدمها لتأمين احتياجات أساسية لأولادي."
وفي شهادة أخرى، قال أحد اللاجئين: "لدي ابنتان في الجامعة وطفلان في مدارس 'أونروا'، وتكاليف التعليم مرتفعة جداً. رغم أن بيتي ملكي، إلا أن مصاريفي الشهرية تصل إلى نحو 300 دولار، وكأنني مستأجر، وهذا عبء كبير".
أزمة مركّبة ومستمرّة
أمين سر اللجنة الشعبية الفلسطينية في المخيم وليد الأحمد أوضح في حديث لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أن "مخيم مار الياس هو الأصغر مساحة وعدداً في لبنان، لكنه يُعد العاصمة السياسية للفصائل الفلسطينية والمركز الرئيسي لعدد من المؤسسات والجمعيات الفلسطينية العاملة في البلاد".
وأضاف: "المشكلات الأساسية تتعلق بتراجع خدمات وكالة 'أونروا'، وارتفاع البطالة، وتردي البنى التحتية، ما ينعكس سلباً على حياة السكان، ويجعل المخيم متأثراً بشكل مباشر بالأوضاع في لبنان والمنطقة".
وحول أزمة المياه، قال الأحمد: "المياه في المخيم أقرب إلى مياه البحر المالحة، ولم نتمكن من حفر بئر جديد؛ بسبب التعقيدات القانونية اللبنانية. ورغم محاولاتنا مع 'أونروا' والجهات المعنية، لم نصل إلى نتيجة".
وفي ما يخص الكهرباء، أشار إلى أن "شبكة الكهرباء عشوائية وغير منظمة، كما هو الحال في بقية المخيمات، ورغم الجهود المبذولة لتنظيمها ما زالت المشكلة قائمة. في الشتاء تتجمع مياه الأمطار في بعض المناطق، ونعمل على معالجتها بالتعاون مع وكالة أونروا".
وختم الأحمد قائلاً: "البطالة من أخطر التحديات التي تواجه الشباب الفلسطيني. يتعلمون ويجتهدون لكنهم يصطدمون بجدار القوانين اللبنانية التي تحدّ من حقّهم في العمل، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تقلص فرص التشغيل. هذا يضع مستقبل الشباب الفلسطيني في لبنان على المحك".
وبين شحّ المياه، وانقطاع الكهرباء، وضيق المنازل، وغياب فرص العمل، تستمر معاناة سكان مخيم مار الياس الذين يعيشون يومياً بين أمل بحياة كريمة وخوف من مستقبل أكثر قسوة، في ظل تراجع خدمات "أونروا" وتفاقم الأزمات الاقتصادية في لبنان