دخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ، ظهر اليوم الجمعة 10 تشرين الأول/أكتوبر، بعد مصادقة الحكومة "الإسرائيلية" عليه في جلسةٍ عقدت الليلة الماضية، إثر جهودٍ دبلوماسيةٍ مكثفةٍ شاركت فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا.
ومع بدء سريان الاتفاق، سجّلت مصادر ميدانية استمرار القصف المدفعي والجوي "الإسرائيلي" على عددٍ من مناطق القطاع، في وقتٍ بدأت فيه وحدات من جيش الاحتلال بالانسحاب من بعض المواقع التي كانت تتمركز فيها منذ أشهر.
وأعلن جيش الاحتلال في بيانٍ رسمي أن اتفاق وقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً بتوقيت القدس المحتلة، موضحاً أن القوات "الإسرائيلية" تموضعت على خطوط انتشارٍ عملياتية جديدة بناءً على الاتفاق وإعادة المختطفين، وأنها "ستواصل العمل لإزالة أي تهديدٍ فوري".
ووفق مصادر ميدانية في غزة، بدأت قوات الاحتلال بالانسحاب من عدة محاور، من بينها شارع الرشيد الساحلي في وسط القطاع، حيث شوهدت الدبابات تغادر مواقعها باتجاه الجنوب.
في المقابل، شهدت مدينة غزة وشمال القطاع تدفّق آلاف النازحين الفلسطينيين عقب فتح شارعي الرشيد وصلاح الدين، وسط تحذيراتٍ من وجود ذخائر غير منفجرة في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال، ما يشكّل خطراً على حياة العائدين.
ورغم إعلان وقف النار، تواصل القصف المدفعي والطيران المروحي "الإسرائيلي" استهداف مناطق متفرقة، خصوصاً في الأطراف الشرقية لمدينة غزة، في خرقٍ واضحٍ لبنود الاتفاق المعلن.
وقال مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة إن على المواطنين عدم التوجّه إلى مدينة غزة عبر شارع الرشيد حالياً، محذّراً من أن قوات الاحتلال ما زالت تحتفظ بقدرتها النارية، وقد تستهدف المدنيين.
من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية في قطاع غزة أن أجهزتها الشرطية والأمنية ستبدأ الانتشار في المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال في محافظات القطاع كافة، بهدف استعادة النظام العام ومعالجة مظاهر الفوضى التي خلّفها الاحتلال على مدار عامين من الحرب.
ودعت الوزارة المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والخدماتية، والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، والابتعاد عن أي سلوكياتٍ قد تشكّل خطراً على حياتهم.
وفي السياق ذاته، دعا المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أبناء الشعب الفلسطيني إلى التعاون الكامل مع الأجهزة الحكومية والإنسانية لإنجاح مرحلة التعافي بعد اتفاق وقف إطلاق النار ووقف حرب الإبادة، مؤكداً أن المرحلة الراهنة تتطلّب تضافر الجهود الوطنية والمجتمعية لإعادة الحياة تدريجياً إلى القطاع، بما يضمن صون الأمن والاستقرار وتعزيز صمود السكان.
وأشار المكتب إلى أن الأجهزة الحكومية تتعامل مع هذه المرحلة بروح المسؤولية الوطنية والإنسانية، وتركّز على رعاية المواطنين وتخفيف معاناتهم وتعزيز صمودهم، مؤكداً أن التعاون والانضباط يشكّلان الطريق الآمن لتسريع وتسهيل الجهود الخدماتية والإغاثية، وضمان عودة الحياة العامة بصورةٍ منظّمةٍ ومتدرجة.
وفي سياقٍ متصل، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الـ24 ساعة الماضية 17 شهيدًا و71 إصابة جرّاء استمرار عدوان الاحتلال على مختلف مناطق القطاع.
وأضافت الوزارة في بيانها أن عددًا من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة؛ بسبب الدمار الهائل واستمرار المخاطر الميدانية.
وأشارت إلى أن حصيلة العدوان الإسرائيلي ارتفعت إلى 67,211 شهيدًا و169,961 إصابة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، في ظل تدهور الأوضاع الصحية واستمرار النقص الحاد في المستلزمات الطبية والإسعافية.
كما أعلنت أنه جرى منذ صباح اليوم انتشال 81 شهيدًا من تحت الركام في مناطق متفرقة من القطاع، بينهم 73 شهيدًا في مدينة غزة.
وكانت الطواقم الطبية والدفاع المدني باشرت أعمالها في انتشال جثامين الشهداء من تحت الركام في مناطق عدة من مدينة غزة، بعد انسحاب القوات "الإسرائيلية" من بعض المحاور.
وقدّر جهاز الدفاع المدني وجود أكثر من 300 جثمانٍ لم يتم انتشالها بعد في المدينة وحدها، نتيجة الدمار الواسع الذي لحق بالأحياء السكنية والمرافق الحيوية.
وكانت الحكومة "الإسرائيلية" قد صادقت على اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، عقب اجتماعٍ مطوّلٍ لـ"الكابينيت" ليلة أمس، بحضور المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، اللذين التقيا رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو قبيل الجلسة.
وينصّ الاتفاق، وفق بيانٍ صادرٍ عن مكتب نتنياهو، على أن تبدأ خلال 72 ساعة من المصادقة عملية تبادل الأسرى بين "إسرائيل" وحركة حماس، بحيث تشمل الإفراج عن جميع الأسرى الأحياء وجثامين القتلى "الإسرائيليين" من القطاع، مقابل إطلاق سراح عددٍ من الأسرى الفلسطينيين.
وقد صوّت ضد الاتفاق وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وعدد من أعضاء الكنيست من حزبيهما اليمينيين المتطرّفين.
ويأتي ذلك في سياق إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فجر الخميس عن توقيع "إسرائيل" وحركة حماس على المرحلة الأولى من خطته للسلام في قطاع غزة، مؤكداً أن الاتفاق يتضمّن إطلاق سراح جميع المحتجزين "الإسرائيليين" قريباً جداً، وسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط متّفق عليها، تمهيداً لما وصفه بـ"سلامٍ قويٍ ودائم".