الأردن - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
تقرير : تامر خرمه
في واقع سياسي متردي، من الصعب الرهان على أيّة جهة اعتباريّة لتحقيق الأمن المعيشي والاجتماعي لمعظم فقراء مخيّمات اللجوء في الأردن، ولم يعد لدى اللاجئ سوى ذاته، التي يصعب الرهان على سواها، لانتشاله من ضنك العيش وقبح العوز. قد يكون هذا ما دفع شباب مخيّم الحسين وسط العاصمة عمّان، إلى المبادرة بتشكيل إحدى أهمّ الجمعيّات التي تسهم في تحسين ظروف اللاجئين الفلسطينيين، ومساندتهم لبلوغ غد أخفّ وطأة من الواقع الراهن.
حدث هذا قبل ثماني سنوات، حيث بادر عدد من المتطوّعين إلى تأسيس جمعيّة "رعاية الفتى اليتيم" في مخيّم الحسين، ليباشروا عملهم في المخيّم والمناطق المحيطة به، ويسهموا في رعاية وتثقيف الأيتام من كلا الجنسين، بالإضافة إلى مساعدة الأسر المحتاجة، ليس فقط عبر تقديم المساعدات الماديّة والعينيّة، بل أيضا من خلال برامج اجتماعيّة متنوّعة، تهدف إلى تمكين أبناء هذه الأسر من تنمية مهاراتهم الكامنة، وإطلاق العنان لمواهبهم، رغم ثقل الواقع المعاش.
ويعمد متطوّعو هذه الجمعيّة، الذين حصلوا على تدريب تربويّ يؤهّلهم للاضطلاع بعملهم، إلى التواصل الدائم مع مدارس الفتيان والفتيات لضمان تحقيق أفضل النتائج، سواء على الصعيد التعليمي أو السلوكيّ، ناهيك عن الدورات المستمرّة، التي تعقدها الجمعيّة للطلبة، والتواصل المستمرّ مع أسرهم، بالإضافة إلى دعم المتفوّقين منهم لإكمال دراستهم الجامعيّة.
وهكذا ميّزت الجمعيّة أداءها بتجاوز الإعانات الماديّة والتأمين الصحّي والكفالات الشهريّة التي تقدّمها على الدوام للأسر المحتاجة، إلى بعد اجتماعيّ أكثر عمقاً، يضمن تعزيز شعور المسؤوليّة لدى الفتيات والفتيان تجاه مجتمعهم، والإرتقاء بمهاراتهم ووعيهم من خلال دورات مهنيّة ومعسكرات تدريبيّة، إلى جانب الأنشطة الترفيهيّة المتنوّعة.
وتتنوّع البرامج الأسبوعيّة التي سخّر لها متطوّعو الجمعيّة جلّ وقتهم، كالبرنامج الكشفي، والثقافي، والرياضي، وبرنامج الثقافة الوطنيّة، هذا بالإضافة إلى البرامج السنويّة، كالمعسكرات الصيفيّة، والشتوية، والبرامج الرمضانيّة.
ولا يقتصر عمل جمعيّة رعاية الفتى اليتيم على الفتيات والفتيان، بل يتجاوزه إلى مساندة أمّهات الأيتام لتأمين دخل شهريّ من إنتاجهنّ، ومن المشاريع التي ابتدعتها الجمعيّة لتحقيق هذا: إنشاء مشغل للخياطة، ومعمل لإنتاج الأجبان والمخلّلات، ومشغل للتطريز، إلى جانب مشغل للأعمال والحرف اليدويّة.
ولكن مازالت تنمية هذه المشاريع وضمان استمرارها تصطدم بالمعوّقات الماديّة، التي يأمل القائمون على الجمعيّة تجاوزها، عبر مراكمة العمل، وحصد نتائج التكافل الاجتماعي، الذي حقّقته هذه المبادرة بين أهالي مخيّم الحسين.
واللافت في عمل هذه الجمعيّة، أنّها لا تسعى لتحقيق أي مكسب سياسيّ ذاتيّ، كما هو لسان حال معظم الجمعيّات الخيريّة، فكلّ ما عينيها هنا هو مساعدة المخيّم على النهوض بذاته، ولذاته.
وربّما يجدر بنشطاء المخيّمات الأخرى في الأردن الاستفادة من هذه التجربة، فالجهة الاعتباريّة التي تمثّل هذه المخيّمات كانت على الدوام الأندية الرياضيّة، كنادي الوحدات على سبيل المثال، والذي يفترض أن يضطلع بدور اجتماعيّ تكون الرياضة مجرّد جزء منه، ولكن ليس هذا هو ما يكشفه الواقع، فمعظم النوادي فشلت في معالجة القضايا الاجتماعيّة التي تشغل بال اللاجئين، أمّا لجان تحسين المخيّمات، فمازالت أسيرة الحسابات الشخصيّة والمصالح الذاتيّة الضيّقة.
وهكذا نجح مخيّم الحسين في تقديم أنموذج مختلف، فبعد إغلاق النادي وتأسيس الجمعيّة عوضا عنه، بات العمل منصبّاً على تأمين مظلّة اجتماعيّة حامية للناس، دون إهمال الجانب الرياضيّ طبعاً، ولكن انخراط المتطوّعين في مجتمعهم على هذا النحو، حقّق للأهالي مكتسبات لا يمكن نيلها بكرة قدم أو طائرة!
وطبعا لم يغب الاهتمام السياسي يوما عن فتيان وفتيات الجمعيّة، فمثلا عند استشهاد المناضل الإيطالي الأممي فيتوريو أريغوني في غزّة عام 2011، توافد نشطاء شبيبة الأحزاب اليساريّة إلى موقع السفارة الإيطاليّة في العاصمة الأردنيّة عمّان، للتعبير عن مشاعر الحزن والغضب. كان اللافت أن التنظيم الحزبي "الحديدي" لم يصل إلى المستوى العالي الذي أبداه فتيان وفتيات الجمعيّة، الذين شاركوا في تلك الفعاليّة.
من أقسى حالات البؤس، نهض شباب وشابّات في مقتبل العمر بأيتام مخيّمهم، وقدّموا الأنموذج الأمثل للتربية السلوكيّة الواعية، دون أيّة حسابات سياسيّة أو مصالح جانبيّة. وبالنتيجة، بات لهذا المخيّم ما يمكن الاستناد إليه، في ظلّ غياب جهات طالما ادّعت تمثيلها للشعب الفلسطيني في كافّة أماكن تواجده!
والجدير بالذكر أن مخيّم الحسين هو أحد أهمّ مداخل "عمّان الشرقيّة" التي يقطنها الغالبيّة العظمى من أهالي العاصمة الأردنيّة، مقابل أقليّة تحتكر الثروة وتقيم في المناطق الغربيّة. تبلغ مساحة هذا المخيّم 367 دونما، ويقطنه نحو 130 ألف لاجئ مسجّلين لدى الأنروا، نزح معظمهم من مدينة اللّد المحتلّة.