قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن القصف الذي يشنّه كيان الاحتلال على قطاع غزة يمثل خرقًا واضحًا للاتفاق الهش لوقف إطلاق النار الذي وقع في 10 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، واصفة الاتفاق بأنه "لا يحمل سوى اسمه" في ظل استمرار القصف والتدمير في القطاع.
وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها الصادرة اليوم الخميس 30 تشرين الأول/أكتوبر، أن الغارات الجوية التي نفذها جيش الاحتلال أودت بحياة أكثر من 100 فلسطيني، بينهم 35 طفلًا، بين عشية وضحاها، ما جعل "وهم الهدوء" في غزة في حالة خراب، على حد وصفها.
وأشارت إلى أن العالم استيقظ مجددًا صباح الأربعاء على أنباء القصف العنيف الذي استهدف مناطق عدة في القطاع، وسط صور جديدة للدمار والمآسي الإنسانية، مؤكدة أن ما يجري "يعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب الكبرى التي سبقت الهدنة الحالية".
وفي أعقاب الهجمات، نقلت الصحيفة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوله إن "لا شيء من شأنه أن يعرض اتفاق وقف إطلاق النار للخطر"، في حين وصف نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس القصف بأنه مجرد "مناوشات"، مؤكدًا أن الهدنة "سوف تصمد".
لكن، وبحسب الصحيفة، فإن هذه التصريحات بدت "منفصلة تمامًا عن الواقع على الأرض"، إذ أظهر هجوم ليلة الثلاثاء هشاشة وقف إطلاق النار الذي شهد منذ بدايته عشرات الخروقات. فقبل هذه الغارات، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الاحتلال "الإسرائيلي" ارتكب نحو 80 انتهاكًا للاتفاق منذ توقيعه، شملت قصفًا واعتقالات وتوغلات محدودة.
وفي تقرير موسّع كتبته إيما غراهام هاريسون، كبيرة مراسلي "الغارديان" في الشرق الأوسط، تساءلت الكاتبة: "هل كان هذا حقًا وقف إطلاق نار كامل؟ "، لتجيب بأن "عشرة فلسطينيين يقتلون يوميًا في المتوسط منذ توقيع الاتفاق، ومعظمهم من المدنيين، ما يجعل الحديث عن هدنة شاملة أمرًا بعيدًا عن الواقع".
وأضافت غراهام هاريسون: "لو كان الناس يقتلون بهذا المعدل في أي سياق آخر، لعد ذلك صراعا نشطا، حتى لو كان أقل كثافة؛ مما كان عليه قبل الهدنة. لذا، عندما نتحدث عن وقف إطلاق نار، يجب أن ندرك أن القتل لم يتوقف قط في غزة".
وتطرقت الصحيفة إلى الوضع الإنساني في القطاع، مشيرة إلى أن برنامج الغذاء العالمي التابع لـ"الأمم المتحدة" أكد الأسبوع الماضي أن غزة، رغم زيادة الإمدادات بعد وقف إطلاق النار، لا تزال تتلقى نحو 750 طنًا فقط من المواد الغذائية يوميًا، وهو ما يقل كثيرًا عن الحد الأدنى المطلوب لتلبية احتياجات السكان.
ونقلت الصحيفة عن غراهام هاريسون قولها: "تحتاج غزة إلى نحو 2000 طن من الغذاء يوميًا لتلبية الحد الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة، لا لتوفير نظام غذائي متوازن، بل فقط لمنع الناس من الهزال الناتج عن سوء التغذية. الكميات الحالية لا تتجاوز ثلث هذا المستوى، ما يعني أن القطاع يعيش فعليًا على حافة المجاعة".
وأوضحت الكاتبة أن نقص المساعدات الإنسانية كان أحد الأسباب الرئيسية وراء الاتهامات التي وجهتها منظمات حقوقية ومدنية لـكيان الاحتلال بانتهاك بنود الهدنة، عبر استمراره في فرض قيود على دخول المواد الحيوية والمعدات الأساسية لإزالة الأنقاض.
وبحسب الصحيفة، فإن منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والدولية أدانت منع الاحتلال "الإسرائيلي" دخول المعدات الصناعية اللازمة لانتشال جثث نحو عشرة آلاف فلسطيني يعتقد أنهم ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض، فضلًا عن عرقلة إدخال الخيام والملاجئ المؤقتة في ظل اقتراب فصل الشتاء.
وقالت "الغارديان" إن هذه التطورات تعكس الفجوة الكبيرة بين التصريحات الدولية حول وقف إطلاق النار وبين الواقع الإنساني المأساوي في القطاع، مضيفة أن الوضع الحالي في غزة "أشبه بسلام ميت"، أي اتفاق لا يزال قائمًا على الورق فقط، بينما تستمر الهجمات والقيود والمآسي يوميًا.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالتحذير من أن استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، مع غياب أي أفق سياسي أو ضمانات حقيقية لتنفيذ الهدنة، قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق كليًا وعودة الصراع إلى نقطة الصفر.
