بينما يشكّل فصل الشتاء عادةً مصدر خير وبركة، يتحوّل دخوله إلى كابوس ثقيل على سكان مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة في بيروت، حيث تغرق الأمطار الزواريب، وتنهار البيوت، وتتدلّى أسلاك الكهرباء فوق رؤوس المارّة مهدّدةً حياتهم في كل لحظة.
واقعٌ يوميّ يعيشه الفلسطينيون في المخيمين، يحفل بالخطر والقلق والعجز، في ظل بنية تحتية يصفها الأهالي بأنها "مهترئة وقاتلة"، وغياب حلول جذرية من الجهات المسؤولة.
معاناة شاتيلا: أسلاك متدلّية وبيوت تتهاوى
يقول اللاجئ محمد حسنين من مخيم شاتيلا إن الوضع تخطّى حدود المعاناة اليومية ليصبح "موتاً يتربّص بالناس عند أول زخة مطر"، مضيفاً: “البنية التحتية مدمّرة، أسلاك الكهرباء متداخلة مع أنابيب المياه، والفيضانات تغلق الزواريب. أي شخص يحاول رفع ديجنتير الكهرباء يعرّض حياته للخطر".
ويشرح حسنين أنّ الأسلاك المتدلية تجبر الناس على "المشي منحنين لتفادي لمسها"، بينما تتحوّل قنوات الصرف الصحي المسدودة إلى مصدر دائم للطوفان.
وألقى حسنين باللوم على اللجنة الشعبية و"أونروا"، قائلاً: "غياب التنظيم خلق شبكة عنكبوتية قاتلة من الأسلاك. نطالب اللجنة والأونروا بحل جذري وتنظيم التمديدات وفتح قنوات الصرف الصحي".
وانتقد أيضاً أداء اللجنة الشعبية قائلاً إن عملها "بات يقتصر على بيع المياه والكهرباء"، مضيفاً: "اللجنة بحاجة لثورة داخلية وتغيير وجوهها… نحن مع انتخابات جديدة تأتي بمن هو كفؤ".
الدرج ينهار فوق رؤوسنا
من جهتها، تروي اللاجئة أمل عوكر مشاهد رعب تعيشها يومياً داخل منزلها:"لا أجرؤ أنا وزوجي وأطفالي على المرور تحت الدرج. التشققات كبيرة، والمياه وصلت إلى الحديد والصدأ يهدد بسقوطه في أي لحظة".
وتضيف: "أحد شرطان الكهرباء سقط في الزواريب بسبب المطر، والمارة يسيرون فوق أرضية مبللة قد تصعق أي شخص. كل شتاء يتحوّل إلى مأساة".
وتشير إلى أنّ بيت ابنها أيضاً مهدد بالسقوط، فيما يعاني الأطفال من الربو بسبب الرطوبة. وتقول بسخرية مرة: "ربما أبيع أغراض البيت لأشتري جزمة أو عدة غوص حتى نتمكّن من العيش في شاتيلا".
لا نرى فائدة من مشاريع "أونروا"
اللاجئ خالد وتّار وصف المخيم بأنه "بركة مياه كبيرة" عند كل مطر، منتقداً غياب عمال "أونروا" واللجان الشعبية. وقال: "المياه تجري فوق أسلاك الكهرباء والعلب المعلقة عشوائياً. الأولاد يذهبون إلى المدارس وسط أسلاك متدلية وطرقات مغلقة".
وأضاف: “الأونروا تنفّذ مشاريع كل فترة، لكن عند أول مطر فاضت الزواريب، وسقطت الأسلاك وغرقت البيوت… لا نرى نتيجة حقيقية”.
ردّ اللجنة الشعبية في مخيم شاتيلا
عضو اللجنة الشعبية أبو النور أوضح أنهم عقدوا اجتماعاً مع رئيس بلدية الغبيري، وقال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:"المشكلة الأساسية ليست داخل المخيم، بل في انسداد القنوات الرئيسية في صبرا والدنا وحي فرحات. البلدية وعدتنا بفتحها، وعندها لن تحصل فيضانات داخل المخيم".
لكنه أقرّ بانعدام الحل لمشكلة أسلاك الكهرباء:"شركة الكهرباء لا تستطيع الدخول إلى المخيم، والتمديدات العشوائية فاقمت الأزمة".
وألقى أبو النور مسؤولية البيوت المهددة بالسقوط على "أونروا"، قائلاً:"الأونروا سحبت يدها من مشروع الترميم منذ سنة ونصف، وتركت الناس لمصيرهم".
برج البراجنة: مأساة مشابهة وبنية منهارة
الوضع في مخيم برج البراجنة لا يختلف كثيراً، بل هو "كارثي" وفق ما يؤكده مسؤول اللجنة الشعبية أبو أحمد غضبان، الذي قال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:"المخيم يعاني من بنية تحتيّة مهترئة جداً. الأمطار لا ترحم أحداً… تدخل إلى البيوت وتقطع الطرقات بسبب الأسلاك المتدلية".
وكشف غضبان أن "أونروا" أوقفت مشروع الترميم بالكامل، قائلاً:"منذ قدوم دورثي كلاوس توقّف المشروع. اليوم لدينا أكثر من 2000 منزل مهدد بالسقوط، و50 منزلاً في خطر شديد".
ويصف المشهد داخل المخيم: أسلاك الكهرباء والمياه والإنترنت والستالايت كلها فوق رؤوس الناس… مشهد كارثي بكل معنى الكلمة".
اللاجئة نجلة الأحمد من حي الصاعقة قالت إن المياه اقتحمت منزلها ليلاً، وإن المجاري مسدودة منذ زمن، مضيفة: "المياه تحمل الأوساخ والقاذورات إلى بيتي. الحلول كلها مؤقتة… نحن بحاجة لحل جذري".
أما اللاجئ أحمد الدرويش فقال: "ننام والمطر يسقط علينا من سقف متشقق مهدد بالسقوط في أي لحظة. لا أستطيع دفع تكاليف الترميم، والأونروا أوقفت المشروع… نحن نعيش بين الخوف والقلق".
هكذا يحلّ الشتاء على مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة كل عام محمّلاً بالموت المتربّص في كل زاوية، فأسلاك الكهرباء تتدلّى فوق رؤوس الأطفال، بيوت تتشقق وتنهار، زواريب تتحوّل إلى أنهار، وصرف صحي يفيض مع كل زخّة مطر.
وبين غياب تمويل "أونروا"، واتهامات التقصير التي يوجهها الأهالي للجان الشعبية، يبقى الفلسطينيون وحدهم في مواجهة مصير يزداد قتامة مع كل فصل شتاء جديد في انتظار حلّ قد لا يأتي قبل أن يسقط مزيد من البيوت — أو الضحايا.
