قالت صحيفة هآرتس "الإسرائيلية": إن عدداً من المنظمات الحقوقية قدّمت تقريراً موسّعا إلى لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، يكشف تصعيداً حاداً وغير مسبوق في الانتهاكات التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الأسرى الفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في خرق مباشر لاتفاقية مناهضة التعذيب.
ضرب وحرق واغتصاب وتجويع
وبحسب الشهادات الموثّقة في التقرير، تعرض الأسرى الفلسطينيون لاعتداءات قاسية شملت: الضرب بالهراواى والهجمات بالكلاب، وسكب مياه مغلية تسببت بحروق خطيرة، وتشغيل موسيقى صاخبة بشكل مؤلم داخل ما يُعرف بـ"غرفة الديسكو"، وعمليات اغتصاب باستخدام أدوات، زتكبيل وإذلال وتجويع شديد عبر وجبات لا تتجاوز 1000 سعرة حرارية يومياً و40 غراماً من البروتين، وإهمال طبي متعمد وتقديم العلاج للمعتقلين وهم مكبلون ومعصوبو الأعين وإجبارهم على استخدام حفاضات.
أوضاع احتجاز كارثية ووفاة 94 معتقلاً
وأكد التقرير أن الانتهاكات امتدت إلى مختلف مرافق الاحتجاز، العسكرية منها وسجون مصلحة السجون، ما تسبب بتسجيل 94 حالة وفاة منذ بدء الحرب، إضافة إلى عشرات الحالات الصحية الحرجة، كما وثّق وفاة ثلاثة معتقلين خلال التحقيق لدى جهاز الأمن العام (الشاباك).
ورغم مئات الشكاوى حول التعذيب، أظهرت البيانات أن التحقيقات شبه غائبة، وبينت أن من أصل 238 شكوى ضد الشاباك، أوصي بالتحقيق في حالتين فقط دون أي لائحة اتهام، في الجيش، كما فُتحت 58 قضية بينها 44 حالة وفاة، ولم تُقدَّم لوائح اتهام إلا في قضيتين.
أمّا في ما تسمى بـ مصلحة السجون، جرى فتح 36 تحقيقاً، انتهت ستة فقط بلوائح اتهام، دون أي ملف يتعلق بالوفاة أو الاعتداء الجنسي.
وأشار التقرير إلى أن "إسرائيل" اعتمدت أدوات قانونية تتعارض مع القانون الدولي، أبرزها تصنيف الفلسطينيين كمقاتلين "غير شرعيين"، وهو وصف لا تعترف به الاتفاقيات الدولية، لكنه يتيح احتجازهم لفترات طويلة بلا محاكمة.
وخلال الحرب، احتُجز أكثر من 4 آلاف من سكان غزة تحت هذا التصنيف، بالتوازي مع توسع كبير في استخدام الاعتقال الإداري، فقد ارتفع عدد المعتقلين الإداريين من 1100 قبل الحرب إلى 3500 في أيلول/سبتمبر 2025، وتضاعفت مدد الاعتقال.
وبيّن التقرير أن المعتقلين من غزة احتُجزوا في مواقع عسكرية مكشوفة، مقيدين ومعصوبي الأعين، وتحت العراء في ظروف مناخية قاسية.
كما أُجبر المعتقلون على الركوع لساعات طويلة، والنوم على الأرض دون غطاء، وسط نقص حاد في الرعاية الطبية، واستمرار سوء المعاملة حتى اليوم بحق مئات المعتقلين.
رفض لفتح تحقيقات وتعذيب في كل مراحل الاعتقال
كما أشار إلى انتشار مرض الجرب بين آلاف المحتجزين، وإبقاء مئات المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، محرومين من زيارة المحامين أو العائلات أو الصليب الأحمر.
وحذّر التقرير من أن المحكمة العليا "الإسرائيلية" منحت هذه الممارسات غطاءً قضائياً، بعدما رفضت 18 التماساً من أصل 20 قدّمها محامون بشأن ظروف الاعتقال، وغالبًا لأسباب إجرائية أو بتبنّي الرواية الرسمية. أما الالتماسان اللذان قُبلا، فاستغرق النظر فيهما أشهرًا طويلة، وأُغلق أحدهما بإغلاق مركز "سدي تيمان".
وجاء التقرير ضمن المراجعة الدورية لالتزام "إسرائيل" باتفاقية مناهضة التعذيب، وشارك في صياغته منظمات "إسرائيلية" فاعلة، بينها: مركز عدالة، اللجنة ضد التعذيب، أهالٍ ضد اعتقال الأطفال، هموكيد للدفاع عن الفرد، وأطباء من أجل حقوق الإنسان.
وأكدت هذه المنظمات أن "إسرائيل أزالت فعلياً منظومات الحماية التي كانت تُطبّق على المعتقلين سابقاً"، وأن التعذيب بات يمارس في كل مراحل الاعتقال، ومن مختلف الأجهزة الأمنية، وبموافقة مستويات عليا، وبمشاركة أطقم طبية.
واختُتم التقرير بالإشارة إلى جلسة للجنة مناهضة التعذيب قبل أسبوعين، حيث رفض ممثلو وزارتي الخارجية والقضاء ومصلحة السجون الاتهامات كافة، وقدموا رواية رسمية تتحدث عن "رقابة قضائية وضمانات لحقوق المعتقلين"، في تناقض كامل مع ما وثّقته المنظمات الحقوقية في تقريرها.
