ثلاث عشرة أماً فقدن فلذات أكبادهن فجأة، إثر عدوان غادر أدمى قلوب اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة، جنوبي لبنان، حيث استُهدف فتيان لم تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة، كانوا يمارسون هواية كرة القدم.
ورغم الألم العميق والقهر الذي تعيشه أمهات الشهداء على فلذات أكبادهن، إلا أنهن يظهرن عزيمة وإرادة قوية.
وتوكد أمهات الشهداء، أن أطفالهن ليسوا أغلى من أطفال غزة، وأن "الله اصطفاهم إلى العلياء"، موجهات رسالة للاحتلال مفادها: مهما كثرت المجازر، ومهما كان جبروته، فإن الشعب الفلسطيني صامد وصابر، يرفض الذل واليأس، وأن الدماء الزكية لا بد أن تثمر يوماً نصراً مؤزراً.
وفي ساعات تبدو أطول من قدرة البشر على الاحتمال، تتقاطع حكايات أربع أمهات فقدن أبناءهن خلال مجزرة ارتكبها طيران العدو قرب مسجد خالد بن الوليد في المخيم، وهم بأعمار الزهور، جاؤوا إلى الحياة معاً، وارتقوا شهداء إلى الجنة.
ما إن وقع القصف حتى شعرت بقلبي اشتعل.. إبني مش أحسن من أولاد غزة
تقول منتهى سليمان أم الشهيد مصطفى غوطاني بصوت يخنقه الحزن: "خرج إبني إلى المباراة كعادته كل ثلاثاء، وما إن وقع القصف حتى شعرت بأن قلبي اشتعل بالنار، قبل تأكيد الخبر، شعرت أن مصطفى قد رحل… بحث أعمامه عنه في مستشفى الهمشري ولم يجدوه، فتوجهوا فوراً إلى مستشفى لبيب ووجدوْه هناك".
وأضافت: كان مصطفى مفعماً بالحيوية والابتسامة لا تفارقه، وكان يحمّم جدّه المريض ويقول له دائماً: "بدي أدخل الجنة بسببك". الحمدلله ارتقى شهيداً ورفع رأسنا. إبني مش خسارة، ولا أحسن من أولاد غزة، نحن شعب الجبارين ولا ننكسر أبداً" حسبما تابعت.
استشهد وهو يجلب صدقة للمسجد
أمّا أم غسان، والدة الشهيد أمجد خشان، روت بهدوء ينطوي على وجع كبير وقالت: "حين سمعت بخبر استشهاد أمجد، دخل قلبي شعور غريب من السكينة والطمأنينة، كأنها رحمة أنزلها الله في قلبي. ذهب ابني لجلب مبلغ خمسين دولارًا من أحد المتبرعين لترميم المسجد، وبعد استلامه المبلغ من المحمصة، توجه إلى الملعب ليرى أصدقاءه، ولم يصل إلى منتصفه حتى سقطت الصواريخ فوق رؤوسهم. كان صاحب المحمصة يصرخ: 'راح الصبي!'، وكان أمجد أول من تم إسعافه ونُقل إلى مستشفى النداء الإنساني"
موضوع ذو صلة: شهادات تصف هول المجزرة "الإسرائيلية" بحق فتية يلعبون كرة القدم في مخيم عين الحلوة
وأضافت: "هو روحي ورفيقي… ونور عيني. كنا ننشد معا ونتشارك الأسرار، قلبي رقيق جداً وأبكي على الغرباء، فكيف بحالي مع ابني! لكن الحمدلله كنت من أصبّر الناس وأواسيهم، فأمجد كان محبوباً من الجميع، مبادراً وخدوماً، وكان يحبه الأيتام، الحمدلله نال حسن الخاتمة ورفع رأسنا عالياً".
استشهد محمد مع أولاد عمه .. كان وقع الخبر صاعقاً
أما والدة الشهيد محمد غوطاني، فتصف اللحظة التي دخل فيها زوجها باكياً غير قادر على الكلام: "سألته لماذا تبكي؟ رد: ما في شي، وبعد أن أصرت عليه، قال: 'استشهد محمد مع أولاد عمه'".
وأضافت: "وقع الخبر كان صاعقاً. إبني خرج فقط للعب كرة القدم، ما الذنب الذي اقترفه هؤلاء الصبية؟ لكن لا نقول إلا ما يرضي الله، ونحن متقبلون، صامدون وصبورون، وشعبنا شعب الجبارين لا ينكسر… وسلّمنا أمرنا لله".
في يوم استشهاده، شاهد صورة منفذ عملية طعن في الضفة وقال:عقبال عندي
وكذلك والدة الشهيد يوسف شما، تحدثت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أن ابنها كان دائم الحديث عن الشهادة، متأثراً بما يجري في غزة، وكان يذكرها كلما رأى طعاماً كثيرا بأن "أهل غزة مش لاقيين يأكلوا"، وكان يحرص على عدم هدر الطعام. وقال: "لو فيني أروح على غزة ما بقصر"
وأكدت أنّه في يوم استشهاده، شاهد صورة منفذ عملية طعن في الضفة وقال: "عقبال عندي"، وخرج بعدها إلى الملعب. بعد الضربة، وعندما علمنا أن الموقع قرب مسجد خالد بن الوليد، توترنا وبدأنا البحث عنه. كنت أنتظر الخبر بفارغ الصبر أن يكون ابني وأصدقاؤه بخير.
وتابعت :"والحمدلله، نال ما تمنى. ونحن لسنا أفضل من أهل غزة، وأنا راضية لأني أعلم أن ابني في الجنة، والعدو الصهيوني مهما فعل من مجازر لا يمكن أن يخيفنا. حسبي الله ونعم الوكيل""
في هذه الشهادات، تتجلى الحقيقة: أبناء ذهبوا للعب كرة القدم، فعادوا محمولين على الأكف، مكذبين مزاعم الاحتلال بأن المكان كان يحوي منشآت عسكرية لحركة حماس. وهذا ليس غريباً على الاحتلال "الإسرائيلي" وجرائم الإبادة في قطاع غزة أكبر دليل.
