عندما يصبح العلاج رفاهية..

غياب التحويلات من "أونروا".. الفلسطينيون في مخيم الجليل يدفعون ثمن التقليصات

الإثنين 22 ديسمبر 2025

يخوض الفلسطينيون في مخيم الجليل في البقاع اللبناني صراعًا قاسيًا مع الاحتياجات الطبية المتزايدة، في ظل التقليص المتواصل لخدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". 

واقع صحيّ مأزوم يتجلّى في سؤالٍ واحد يتكرر يوميًا: من سيتكفّل بتكاليف العلاج الدائم؟ فمع محدودية الخدمات الصحية المقدمة في عيادة "أونروا"، وعدم شمولها كلفة العمليات الجراحية، والأمراض المزمنة، والفحوصات الطبية، يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة عبء صحي ومالي يفوق قدرتهم على الاحتمال.

الأمراض المزمنة.. معركة يومية وتغطية لا تكفي

يعاني معظم كبار السن في المخيم من أمراض مزمنة، في وقت يعجز فيه كثيرون عن تأمين كلفة العلاج، ما يضطرهم إلى اللجوء للجمعيات الخيرية أو طلب المساعدة من أقاربهم في الخارج.

أم علي، فلسطينية في مخيم الجليل، تعاني منذ عام 2005 من مرضى السكري والضغط، وتؤكد أنها غير قادرة على الاعتماد على أدوية "أونروا" لعدم ملاءمتها لحالتها الصحية، ما يجبرها على مراجعة طبيب خاص.

وتقول أم علي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "دواء السكري الذي أخذه من الأونروا لم يعطِ نتيجة، فأضطر لشراء إبر الإنسولين (Tresiba) بسعر 50 دولارًا، ودواء (Glyxambi) بـ50 دولارًا، و(Piodiab) بـ35 دولارًا".

وتشير أم علي إلى أن كلفة علاجها الشهري تصل إلى نحو 200 دولار، مؤكدة أن جواب العيادة يبقى دائمًا: "هذا هو الدواء المتوفر". وتعتمد في تأمين علاجها على تحويلات مالية من شقيقتها المقيمة في الخارج، أو على مساعدات الجمعيات.

قرار التحويل بيد الموظف الإداري.. والطبيب خارج القرار

نسرين عزام، فلسطينية تعاني سرطاناً في رجلها اليسرى، تؤكد أنها لا تتلقى أي مساعدات من عيادة "أونروا" أو من الجمعيات لاستكمال جرعات العلاج.

وتوضح عزام أنها راجعت المستشفى وهي في وضع صحي حرج بعد تضخم الورم وبدء النزف، وبعد إجراء الفحوصات الشعاعية أكد طبيبها حاجتها إلى عناية طبية، وكتب لها تحويلًا طبيًا. إلا أن ابنتها عادت من العيادة باكية بعد رفض إعطاء الموافقة. 

تقول عزام: "طلبوا تقريرًا طبيًا آخر بحجة أن التقرير غير معترف به، وقال لي أحد الموظفين: ما في إلك تحويل، ولأشوف مين الدكتور اللي رح يعطيك تحويل".

وتصف طريقة التعامل معها بالمهينة، مؤكدة أنها قوبلت بالاستهزاء أثناء تقديم أوراقها للعلاج. وتشير إلى أنها في كل مرة تطالب فيها بالمساعدة يطلب منها إجراء الجرعات على نفقتها ثم إحضار العبوات الفارغة، لتحصل في المقابل على مساعدة لا تتجاوز 500 ألف ليرة لبنانية، في حين أن "أونروا" لا تغطي سوى 20% من كلفة العلاج، ويبقى المبلغ المتبقي عبئًا ثقيلًا لا تستطيع تحمله.

وتضيف عزام أنها بحاجة كل ثلاثة أشهر إلى فحوصات شعاعية، إلا أن الرد المتكرر من العيادة هو: "لا يوجد إعاشة ولا مساعدة"، بحجة أنها منفصلة عن زوجها ومسجلة على بطاقة إعاشة عائلتها.

وتستعيد عزام محاولتها الفاشلة للهجرة بحرًا إلى ألمانيا للالتحاق بابنها، حيث أوقفت في ليبيا، ثم رُحّلت إلى لبنان، ما رتّب على ابنها دينًا يقارب 50 ألف يورو. كما تشير إلى أن ابنتها (22 عامًا) بحاجة إلى مستلزمات خاصة لا تستطيع تأمينها، وأنها لم تكمل تعليمها بسبب ضيق الحال، إضافة إلى ديون متراكمة للبقالة بقيمة 1600 دولار.

وتختم عزام بمطالبة "أونروا" والجمعيات الإنسانية النظر إلى وضعها ووضع عائلتها، ووقف التمييز والمحسوبيات في تقديم المساعدات، لا سيما مع حلول فصل الشتاء وحاجتها إلى وسائل التدفئة بسبب وضعها الصحي.

عمليات "باردة" ومرضى لا يحتملون الانتظار

حربية بكراوي، فلسطينية تعاني ابنتها من إعاقة دماغية، تؤكد أن ابنتها تعرّضت مؤخرًا لوعكة صحية استدعت عملية جراحية عاجلة بسبب النزيف. ورغم التواصل مع الجهة الطبية الأعلى في منطقة البقاع، جاء الرد برفض إعطاء التحويل بحجة أن العملية تصنف ضمن "العمليات الباردة".

وتعلّق بكراوي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "قد تكون باردة على الورق، لكنها ليست كذلك للمريض الذي يتألم، ولا يمكنه الانتظار شهرًا أو شهرين". وتؤكد أنها تطالب بحقها الصحي في ظل استمرار تقليص الخدمات الطبية، ما يفاقم معاناة المرضى، خصوصًا أصحاب الحالات الحرجة وذوي الإعاقة.

غياب التحويلات يهدد الصحة والتعليم

أما سارة علي، فلسطينية تعاني من مشاكل في الجيوب الأنفية واللحمية، فتشير إلى أنها حصلت قبل شهرين على تقرير طبي يوصي بإجراء عملية جراحية، إلا أنها فوجئت برد العيادة بعدم توفر التحويلات.

وتبلغ كلفة العملية على نفقتها الخاصة نحو 700 دولار، وهو مبلغ تعجز عائلتها عن تأمينه. وتوضح سارة أن تغيّر الطقس يسبب لها صعوبات حادة في التنفس، ما يضطرها إلى التغيب المتكرر عن المدرسة، الأمر الذي ينعكس سلبًا على تحصيلها العلمي.

التمويل أولًا.. والمرضى ينتظرون

وبحسب معلومات حصلت عليها بوابة اللاجئين الفلسطينيين من معنيين في عيادة "أونروا"، لا سيما في القسم المختص بتحويل العمليات الجراحية، فإن تصنيف العمليات يتم وفقًا لحجم التمويل المتوفر.

وأشار المعنيون إلى إلغاء عدد من العمليات المصنفة "باردة"، مثل استئصال اللوزتين واللحمية، وعمليات الفتق بالمنظار. وأوضحوا أن الجهة الممولة تنهي عقودها عادة في الشهر العاشر من السنة، ليصار بعدها إلى الانتظار حتى بداية عام جديد مع ممول آخر. وخلال الأشهر المتبقية، يقتصر التمويل على العمليات الطارئة فقط، كالحوادث، والسقوط عن المرتفعات، وحالات الغيبوبة، وجراحات القلب المفتوح.

تتزايد الضغوط على الفلسطينيين في الشتات، وتتعقّد أوضاعهم الصحية مع استمرار تقليص خدمات "أونروا"، وغياب دور فاعل للجمعيات، وشكاوى متكررة من المحسوبيات في تقديم المساعدات. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يترك الفلسطيني وحيدًا أمام أبواب العيادات والمستشفيات، يواجه مصيره الصحي بانتظار تحويلٍ قد لا يأتي، في ظل استمرار سياسة تقليص الخدمات؟

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد