محمد محسن وتد-عكا
تبدو عكا القديمة -البلدة الساحلية بالداخل الفلسطيني- مدينة أشباح، حيث تعيش آلاف العائلات العربية التي تجذرت بين أسوار التاريخ والحضارة، هواجس التشريد والتهجير بسبب سياسات التضييق التي تعتمدها المؤسسة الإسرائيلية.
ويخوض نحو ثمانية آلاف فلسطيني معركة وجود بعكا القديمة التي تضم آلاف المنازل والمحال التجارية والعقارات وأملاك اللاجئين التي وضعت "اسرائيل" اليد عليها منذ النكبة وتعرضها للبيع بالمزاد العلني لأثرياء اليهود والصناديق الصهيونية، بغرض إنشاء مشاريع سياحية وتجارية واستيطانية.
وينسجم مخطط التهجير وتفريغ البلدة من سكانها الأصليين مع ما يسمى بمشاريع التطوير وجذب المستثمرين الأجانب التي تحركها شركة "عميدار" (الشركة الوطنية للإسكان في إسرائيل) التي تدعي مليكتها العقارات وتطالب الفلسطينيين بإخلاء المنازل والمحال التجارية، تارة بذريعة التطوير والترميم وأخرى لتراكم الديون عليهم.
سياسيات التضييق
وتوظف الحكومة الإسرائيلية قانون أملاك الغائبين الذي شرّع في عام 1950 لإحكام السيطرة على أملاك وعقارات اللاجئين الفلسطينيين الذي شردوا في النكبة، وكذلك على أملاك الوقف الإسلامي في فلسطين التاريخية، حيث مهدت لبيع العقارات بالمزاد العلني للمستثمرين اليهود بإجراء تعديلات على القانون عام 2009 تجيز نشر مناقصات لبيع أملاك وعقارات تسيطر عليها "عميدار و"دائرة أراضي إسرائيل" بالمدن الساحلية.
وتلخص حياة وتجربة ماضي أبو أحمد -الذي يسكن مع زوجته وأولاده الثلاثة عقارا تسيطر عليه شركة "عميدار"- معاناة العرب في عكا القديمة الذين يواجهون مسلسل التشريد والتهجير تحت غطاء التطوير والعمران، بيد أنه أسوة بغيره يصر على البقاء في مسقط رأسه والصمود في المكان الذي ولد فيه، رافضا المساومة والإغراءات مؤكدا أنه في رباط لذلك سيبقى متجذرا في المدينة رغم سياسيات التضييق والإهمال.
ووصف أبو أحمد -في حديثه للجزيرة نت- ما يتعرض له العرب في عكا القديمة بأنه تطهير عرقي يهدف لتفريغها من السكان الأصليين.
ويعيش أبو أحمد كغيره من السكان هواجس الطرد والتهجير، وقد يتلقى في أي لحظة إخطارا من شركة "عميدار" يبلغه بإخلاء المنزل الذي لا تتعدى مساحته ستين مترا.
ترحيل بطيء
الشاب بلال تركي الأب لثلاثة أطفال، تجرّع كأس التهجير والتشريد حين أرغم على إخلاء منزله في عكا القديمة ليقطن في تخومها بمنزل مستأجر بمبلغ ستمئة دولار شهريا، إذ يبدو قلقا على عروبة المدنية والوجود الفلسطيني بين الأسوار، ويعتقد أن المؤسسة الإسرائيلية بكافة أذرعها تعتمد "الإجلاء البطيء"، وتعمل بكافة الأساليب لترحيل الفلسطينيين وتوطين اليهود.
وسرد تركي -في حديثه للجزيرة نت- تجربته التي عاشتها وتقاسمتها معه نحو مئتي عائلة عربية أخرجت عنوة من المنازل والعقارات تحت ذريعة تراكم الديون أو أن المباني آيلة للسقوط ويحظر على قاطنيها ترميمها أو حتى توسيعها، بينما تغلق مئات العقارات التجارية والمنازل والمواقع الأثرية لتحول فيما بعد إلى شركات عقارات واستثمارات يهودية.
وبالتوازي مع التطهير العرقي للسكان، يتم كذلك ضرب الحركة التجارية والاقتصادية في أسواق المدينة، ويقول المسؤول في مركز التجار في عكا القديمة هاني أسدي "نعيش مرحلة مفصلية، فالسياسات تهدف أيضا لضرب الاقتصاد العربي والملاحقات والتضييق على التجار بإثقالهم بالضرائب وعزل الأسواق لدفع التجار وأصحاب المحال التجارية للرحيل، فمن مئات العقارات التجارية التي كانت تعج بالحياة لم يبق إلا 180 محلا مفتوحا، والغالبية أغلقت".
وفي زقاق البلدة القديمة، يؤكد أسدي للجزيرة نت أن الصراع يحتدم وتتعمق المعاناة، بينما يتشبث العرب أصحاب المكان بما تبقى لهم من عقارات، ويرفضون المساومة على أملاك أهلهم وإخوانهم اللاجئين، ويقول إنهم يعيشون تحديات وفصولا جديدة من النكبة، تتجلى بمشاهد التضييق والحرمان من الخدمات وسلب مقومات الحياة المعيشية وإثقال السكان والتجار بالضرائب ومنعهم من ترميم العقارات وصيانتها.