لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
أحمد أبو حسنة
على مدى الأيام الماضية، احتلت أخبار "مخيم عين الحلوة" موقعاً متقدماً بين الأخبار المصنفة "خبر أول"، على العديد من الشاشات والصحف والمواقع الإخبارية الفلسطينية والعربية، لتغطية المعارك التي دارت بين "قوى وطنية فلسطينية" يقع على عاتقها "ضبط أمن المخيم"، وإحدى "الجماعات الإسلامية المتطرفة" التي تتخذ من المخيم موئلاً لها.
وتوالت التغطية الإعلامية بعد ذلك، للوقوف على حجم الدمار الناتج عن "معركة لم تحسم بعد"!! فيما تبدو نتيجتها الأوضح حتى الآن تدمير جزء لا بأس به من "أحياء" المخيم.
"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" الموقع الإلكتروني المتخصص بتغطية أخبار اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم قام بتغطية ما يجري في "عين الحلوة" بطبيعة الحال، ولأن بدا أن تخصيص الموقع "ملفاً خاصاً" لما يدور في المخيم، فعلاً صحفياً طبيعياً يحاكي أسلوب عمله في تركيز الإضاءة على الأحداث الساخنة، فإن اللافت هو تموضع هذا الملف إلى جوار "ملفات خاصة أخرى مخصصة لمخيمات اليرموك وخان الشيح ودرعا، فهل في هذا قراءة تستشعر الخطر ذاته؟ أو تتوقع المصير نفسه!؟
ليست هذه "الأعمال العسكرية" جديدة على حياة المخيم، الذي ظل صامداً ستة أيام في وجه الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان عام 82. وقد شهد توترات أمنية عديدة في العقدين الأخيرين، مع بروز التيارات الدينية الأصولية في جوار المخيم، وقد استفادت هذه التيارات، وبدعم جهات سياسية لبنانية باتت معروفة، من الوضع الأمني الخاص في المخيم، لتقوم بالاستيطان فيه وتقوية نفوذها بدءاً من بداية العقد الماضي وبالتزامن مع احتلال العراق. إلا أن الجديد قد يكون في توقيت المعركة.
إذ تزامنت المعركةً مع حملة تحريض واسعة على مخيم عين الحلوة في بعض وسائل الإعلام اللبنانية، من باب "أن عدداً من الفصائل الأصولية تتخذه مخبأ لها" ليستتبع ذلك بادعاء إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تنظيم داعش يتخذ بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان نقطة ارتكاز جديدة له.
وسواء أكان هذا تقديراً استخباراتياً مفبركاً أو وقائع ممكنة، فإن فيه ما يشير إلى أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تواجه خطراً جدياً يتمثل باستهدافها من قبل تنظيمات أصولية من جهة وخطر تصفية وجود هذه المخيمات في مسعى "محاربة الإرهاب" من جهة أخرى، وقد تكون المواجهة الأخيرة، التي جرت بين "القوة الفلسطينية المشتركة" و"جماعة بلال بدر"، مدعومة من قوى أصولية أخرى، مجرد بالون اختبار لهذا السيناريو، بمعزل عن التطور الدراماتيكي الذي أدى لهذا الاشتباك.
فبعد تهجير اللاجئين الفلسطينيين من العراق، والتدمير الممنهج لمخيماتهم في سوريا، تبقى المخيمات الفلسطينية في لبنان، الشاهد الأبرز على جريمة التطهير العرقي التي ابتدأتها العصابات الصهيونية في فلسطين منذ قرن وماتزال مستمرة فيها؛ في طريقها لتحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى "مجتمعات مصغّرة" معزولة ومشتتة في أصقاع الأرض، قد تصلح لتطبيق دراسات إنثروبولوجية عليها في المستقبل.
نعود إلى "المعركة" الأخيرة مجدداً، فقد أظهرت نتائجها أن لا تقدير جدياً لمستوى الخطر المتربص بالمخيمات ككل وبـ "عين الحلوة" على وجه الخصوص. فالمخيم الذي يقطنه ما يتراوح بين (60 إلى 80) ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، بات يضم اليوم أيضاً مهجّرين سوريين وآخرين من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، وصلوا إليه نتيجة الحرب في سوريا، إضافة إلى العديد من العرب!! ليس معزولاً عن ما تواجهه المنطقة (المشرق العربي) من تحديات جسيمة.
ولئن أشار البعض إلى ضعف الأداء العسكري لـ "القوة الفلسطينية" في المعركة، فقد يكون قد غاب عن باله معارك مشابهة، تقوم بها قوى إقليمية عديدة وعلى مستويات وأحجام مختلفة، في مواجهة "الخطر الإرهابي" الذي تشكله هذه المجموعات الأصولية، ولم تكن نتائج تلك المعارك بأفضل حالاً من شقيقتها هذه، بل قد تكون نتيجة هذه المعركة أفضل من مثيلاتها في غير مكان، فعلى الأقل لم نصل حتى الآن لـ "نهر بارد" جديد.
إلا أن ذلك لا يعفي القوى والفصائل الفلسطينية من القيام بدور، مازال مطلوباً، للقيام بمهمة حماية المخيمات وحماية الوجود الفلسطيني في أقرب نقطة جغرافية إلى فلسطين المحتلة. ومع علمنا بجسامة هذه المهمة وبعظم الخطر المحيق بالوجود الفلسطيني، فإن هذا أيضاً يتطلب تقديراً لحجم الخطر من قبل قوى لبنانية وعربية أخرى.
وقد يكون الإسراع بلملة جراح الناس المكلومة التي خسرت ما خسرت نتيجة هذه المواجهة، مدخلاً للشروع بالتعامل مع ملف الوجود الفلسطيني في لبنان بجدية حقيقية.
فليس أقل من لم شمل القوى الفلسطينية ودعمها وتقديم كل عون لها في هذه المواجهة، بالترافق مع البدء في تحسين حياة الناس وبشكل عاجل وصولاً لمعاملتهم بشكل يليق بالبشر من خلال تمكينهم من أبسط حقوقهم الاجتماعية والإنسانية.. قبل أن يقع المحظور الذي قد لا تطال تبعاته اللاجئين الفلسطينيين فقط!