بوابة اللاجئين الفلسطينيين
بعد تسعِِ وستين سنة ما زلنا نَعدُّ سني نكبتنا، التي لم تنتهِ باقتلاع شعب أعزل من أرضه وسمائه، وتشريده في وطنه ودول الجوار .
لم تنتهِ نكبة الفلسطينيين باستحالتهم إلى شعب الخيام..
بعد هذه العقود على الجريمة الكبرى، ما يزال الفلسطينيون يسيرون على درب آلامهم الذي لن ينتهي حتى يعود الحق الأول إلى أصحابه..
وأصحاب الحق لم ينسوا يوماً أنّ تلك الأرض جنّتهم الأثيرة هي لهم، وإنهم يمتلكون فيها التراب والماء والهواء والسماء..
وإنْ ما يزالُ بعضهم يحافظُ على مفتاتيح بيوتٍ، وصكوك ملكيةٍ أراضي و أواني رافقتهم في طريق رحلتهم الإجبارية إلى الشتات، فإنهم بذلك يصرخون بطريقتهم : " ما زلنا نملك التاريخ والانتماء" ..
فرغم تتالي الخيبات السياسية و الإنسانية مايزال اللاجئون يحتفظون بالحلم، يدارونه بحنوٍّ واهتمام، يغلفونه بأجمل الذكريات وأوجعها عن فلسطينهم التي كانت، وتلك التي استحالت، يورثونه جيلاً بعد جيل، يخافون عليه من الضياع، لذا ينثر الفلسطينيون مفردات هذا الحلم في كل عام، ليعيدوا سردها للورثة وصياغة الأمل بالعودة من جديد....
ولئن سيكون موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين مع اللاجئين وهم يعيدون روايةَ الحكاية، فلأنه مؤمنٌ بأن أثر الكلامَ لن يضيع، و لأنه حمل مسؤولية حفظ هذا الكلام منذ أن قرر أن يكون صندوقاً مفتوحاً لكل اللاجئين، يحفظون فيه قصصهم و أحلامهم، آمالهم وأوجاعهم ، منذ أن قرر أن يكون منبراً يشدو من خلاله اللاجئون لحن عودتهم، وفسحةً أخرى أمام شعب لا يضيق ذرعاً بالانتظار ..
شعبُ اللجوء لا يمّل الانتظار، يثبت مع كل خيبة أنه قادر على التحمّل والنهوض من جديد، ممسكاً بالحلم، مؤمناً بأن الكفاح سبيلهم الوحيد لاسترداد وطنهم ورافعاً سلاح الأمل ..
ربما لو لم يمتلك قوة الحلم والإصرار على الحق ، لتبعثر حقَّه في غياهب المجازر التي تعرض لها خلال عقود الانتظار الطويلة في لبنان والعراق وسوريا، ناهيك عن فلسطين ..
ربما لو لم يمتلك هذه القوة لانهارت معاني الحق و الانتماء داخله مع تخلي القيادة الفلسطينية الرسمية عن اللاجئين وبعض حقوقهم و تحويلهم إلى سلعة زائدة تُستحضرُ في بازار السياسية الرسمية الفلسطينية والعربية والدولية، حين يكون لورقة اللاجئين تأثير على ملفات سياسية أخرى.
ولسقطت قضيته مع محاولات التخلص منها بأبشع الأساليب والطرق، لاستسلم لما يدور من أحاديث هنا وهناك عن مساع دولية لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين بأيدي فلسطينية وعربية ..
لو لم يمتلك قوة الحلم والأمل، لما رأينا الفلسطيني في سوريا واللاجئ حديثاً منها إلى دول أخرى يرفع علم فلسطين عالياً، و يردد اسم قريته ومدينته الفلسطينية الأولى،رغم أن ذاكرته ما تزال مليئة بمشاهد حصار المخيمات وتدميرها في سوريا واستشهاد أبنائها جوعاً وقنصاً وقصفاً وتحت التعذيب، فهو لم يخضع لمحاولات تشتيت شتاته وتحويل ثمانين ألفاً من أبناء المخيمات في سوريا إلى لاجئين جدد في منافي بعيدة .
و لخفت صوت اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في ظل ما يعانونه من ظروف لا إنسانية، وحالة تهميش متعمدة وفقر وحرمان، إلا أن صوتهم ما يزال يعلو ضد محاولات تحويل مخيماتهم إلى ساحة معارك تدمر المخيم بوصفه جسرهم للعودة...
لو لم يمتلك اللاجئ الفلسطيني قوة الحلم و الإصرار على الحق ، لنسيَ فلسطينيو العراق فلسطينهم مع محو كل أثر لهم إلا في دوائر استقبال اللاجئين بأوروبا وأمريكا اللاتينية .. ولكنهم لم ينسوا ..
لسنا هنا في صدد الحديث عن كل ما يتعرض له اللاجئون الضحايا الأوًّلُ للنكبة من استهداف لوجودهم وإنسانيتهم وحقهم بأرضهم، بقدر ما نحن معنيون بأن نكون معهم في استرجاع ذكرياتهم وصون حلمهم الذي بات يخجل من إصرارهم، ليظلَّ متوجهاً يضيئ لهم دربهم الحقيقي، ويقول لهم: سيروا فيه إلى هناك المنتهى، إلى فلسطين كاملة ، من البحر غرباً إلى النهر شرقاً ، من رأس الناقورة شمالاً، إلى أم الرشراش جنوباً ..
يرفعون رؤوسهم ويقولون للحلم: لن نبقى لاجئين، ليس لأننا سنرضى بوطنٍ بديل، بل لأننا سنعود .. سنصير العائدين..