نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب غريغ ميللر، يتحدث فيه عن جهود وكالة الاستخبارات الأمريكية في مواجهة التهديد الروسي.
ويقول الكاتب، إن الجواسيس الأمريكيين يوسعون من عمليات التجسس على الروس على قاعدة واسعة، لم تشهد منذ نهاية الحرب، مشيرا إلى أن التعبئة تشمل عملاء سريين، وقدرات وكالة الأمن القومي في التجسس الإلكتروني "سايبر"، ونظام التجسس الفضائي، وغير ذلك من الأرصدة التجسسية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مسؤولا أمريكيا وصف تلك الجهود بأنها تحوّل في استخدام المصادر، التي ركزت في السابق على مواجهة تنظيم الدولة، وبقية الجماعات الإرهابية الأخرى، ويقول مسؤولون آخرون إن التحرك نحو روسيا هو جزء من جهود بناء القدرات التي ظلت تتراجع في وقت حاولت فيه روسيا تعزيز قدراتها لتكون قوة عالمية.
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين، قولهم إنهم فوجئوا بالعدوان الروسي وضم شبه جزيرة القرم، والتدخل في سوريا، واتهامها بعمليات قرصنة إلكترونية ضد الولايات المتحدة وأوروبا، لافتة إلى أن وكالات الاستخبارات الأمريكية تحاول "اللحوق بالركب"، على حد تعبير مسؤول أمني أمريكي.
ويستدرك ميللر بأنه رغم اهتمام الولايات المتحدة بالإرهاب؛ كونه أولوية، إلا أن أمرا من البيت الأبيض ومديرية الأمن القومي وضع روسيا على قائمة الأولويات، ولأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، مبينا أنه مع أن التصعيد التجسسي يجري في السر، إلا النشاط الاستخباراتي هو جزء من تجدد في النزاع والتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد عقدين من الهدوء، حيث أصبح التوتر واضحا بين البلدين، في كل ملمح من ملامح العلاقة بينهما.
ويلفت التقرير إلى عملية القرصنة التي تعرضت لها لجنة الحزب الديمقراطي، التي أثارت مخاوف من أن الروس يحاولون إضعاف المؤسسات الديمقراطية، إن لم يكن التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية، مشيرا إلى أن جهود وقف إطلاق النار في سوريا أدت إلى انقسام في إدارة أوباما، الأمر الذي قاد المسؤولين للاعتراف، وإن بشكل تكتيكي، بنجاح التدخل الروسي، وهدفه الرئيسي: تأكيد قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التأثير في نتائج اللعبة السورية.
وتبين الصحيفة أن المواجهة بين الرئيسين الأمريكي والروسي في قمة العشرين في الصين تحولت إلى منافسة في "التحديق"، مشيرة إلى تأكيد المسؤولين الأمريكيين أن الحصول على معلومات أمنية حول روسيا يعد أمرا ملحا، إلا أنه ليس محاولة لإعادة "سي آي إيه" إلى مزاج الحرب الباردة.
ويورد الكاتب نقلا عن مسؤولين قولهم إن الوكالة في ذروة الحرب الباردة، خصصت نسبة 40% من مصادرها وعملائها لملاحقة الاتحاد السوفييتي السابق والدول الشيوعية التي تدور في فلكه، حيث يقول المسؤولون إن المخابرات الأمريكية تكرس 10% من ميزانيتها لقضايا التجسس المتعلقة بروسيا، مشيرا إلى أن النسبة ارتفعت خلال العامين الماضيين، ويقول نقاد المخابرات الأمريكية إن الأخيرة كانت بطيئة في الرد على الاستفزازات الروسية في الخارج، ما منح بوتين اليد العليا.
وينقل التقرير عن رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس، النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورينا نيفين نيونز، قوله: "الفشل في فهم خطط بوتين ونواياه يعد أكبر فشل منذ هجمات 9/11"، ويضيف نيونز أن عدوانية بوتين الموثقة والمعروفة لم تدفع المخابرات الأمريكية لفهم تحركات روسيا، ويقول: "كان من المفترض رفع الراية الحمراء، إلا أننا استمررنا بارتكاب الأخطاء".
وتكشف الصحيفة عن أنه جاء في رسالة إلكترونية للناطق الرسمي باسم مديرية الأمن القومي تيموتي باريت: "يواصل المجتمع الاستخباراتي تركيز نظره وخبراته على روسيا، وهو ما سمح لنا بفهم رؤية بوتين المتطورة"، لافتة إلى أنه لم يقدم معلومات حول مدى العمليات التجسسية وطبيعتها، إلا أن مدير الأمن القومي جيمس كلابر، وصف بوتين بالمتهور والانتهازي، وبأنه لا يسير بناء على استراتيجية متناسقة بأهداف واضحة، وتساءل في مقابلة مع "سي أن أن" العام الماضي، قائلا: "ما هي خططه على المدى البعيد؟ لست متأكدا أن لديه خططا".
ويذكر ميللر أن المسؤولين الأمنيين السابقين، ممن كانت لهم علاقة بالتجسس على روسيا، يختلفون مع رؤية كلابر، ويقولون إن لدى بوتين دوافع واضحة ومتناسقة، وإنه يعمل على استعادة مكانة بلده لتكون منافسة قوية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى زعزعة استقرار الحكومات الغربية، وامتحان أعدائه قبل أن يردوا عليه.
وينقل التقرير عن الضابط السابق في "سي آي إيه" ستيفن هول، الذي كان يشرف على عمليات الوكالة في روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق، قوله: "ما يعمله ويقوله: كم أستطيع الدفع؟ وماذا سأكسب؟" وأشار إلى قرصنة اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، التي قال إنها عملية لا تختلف عن العمليات التي كان الاتحاد السوفييتي السابق يقوم بها، وهي التدخل في الدول الأخرى للحصول على منافع.
وبحسب الصحيفة، فإن مسؤولين سابقين في الاستخبارات يعترفون بأن التحدي الذي يواجه المخابرات الأمريكية هو جمع معلومات عن بوتين نفسه؛ نظرا لخبرته السابقة في وكالة الاستخبارات السوفييتية "كيه جي بي"، فهو يحرص أشد الحرص على عدم تعرض طائرته للتجسس من المخابرات الأجنبية، ولا يكشف عن المعلومات الحساسة، إلا لحلقة ضيقة في الكرملين، من الذين لا يستخدمون هواتفهم وأجهزة الحاسوب الشخصية إلا عند الضرورة، وبحذر شديد.
ويقول الكاتب إن ميزانية التجسس على روسيا لا تمثل إلا جزءا صغيرا مما تنفقه الولايات المتحدة سنويا على التجسس عالميا، الذي تصل نفقاته إلى 53 مليار دولار أمريكي، مشيرا إلى أنه في المقابل، فإن روسيا تنفق الحصة الكبرى من ميزانية التجسس على عملياتها ضد الولايات المتحدة.
ويفيد التقرير بأنه يعتقد أن لدى جهاز الاستخبارات الروسي "أس في آر" حوالي 150 عميلا داخل الولايات المتحدة، ولا يعملون فقط في واشنطن ونيويورك، حيث الأمم المتحدة، بل في سان فرانسيسكو وبقية المدن الأخرى، لافتا إلى أن "سي آي إيه" لديها عشرت الضباط الذين يعلمون في روسيا، وعشرات آخرون موزعون على أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفييتي السابق، وزاد عدد هؤلاء في السنوات الماضية، حيث جندت "سي آي إيه" أعدادا جديدة في مركز التدريب التابع لها في ويليام سبيرغ في ولاية فرجينيا.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أنه عادة ما يتم تكليف هؤلاء العملاء بمهام متعلقة بالتجسس على روسيا، إلا أن عددا منهم تنقصه المهارات اللغوية، ومعرفة اللغة الروسية، ما يعني حاجتهم إلى تدريب أطول، بحسب ما يقول المسؤولون.