اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، الذي وقعته الولايات المتحدة وروسيا ودخل حيز التنفيذ يوم الاثنين من هذا الاسبوع، كفيل بأن يتحقق بشكل عشوائي ومؤقت فقط، في شكل وقف إطلاق نار محلي وآني في مناطق معينة. ولكن لا احتمال لوقف إطلاق نار كامل، أي وقف سفك الدماء الشديد؟
الحرب في سوريا، التي تستمر منذ أكثر من خمس سنوات، أدت حتى الان لمقتل مئات آلاف الأشخاص ـ بعضهم نساء وأطفال ـ ولجرح الملايين وحولت أكثر من نصف مواطني الدولة إلى لاجئين: بعضهم في بلادهم، بعضهم في الدول المجاورة، وبعضهم يتدفقون إلى اوروبا.
في هذه الحرب بين النظام العلوي وبين معارضيه تشارك محافل خارجية ذات مصالح متضاربة: المعسكر الشيعي بقيادة إيران وبمشاركة حزب الله، يؤيد الأسد ويحظى بدعم ومساعدة عسكرية في الميدان من روسيا.
السنة منقسمون إلى عشرات الميليشيات، بعضها جهادية (مثل داعش، جبهة فتح الشام وغيرها) ولكن معظمها ليست هكذا، تحظى بدعم من دول الخليج بقيادة السعودية، ومؤخرا حتى من الولايات المتحدة. الأكراد في شمال سوريا يقاتلون ضد داعش، ولكنهم يعارضون النظام ايضا. وهم مدعومون اليوم من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، ولكنهم يتعرضون للهجمات من جانب تركيا، التي ترى في حكم ذاتي كردي في شمال سوريا تهديدا على مصالحها.
ولا تسمح المصالح المتناقضة بين المحافل الخارجية المشاركة في الحرب في سوريا بتحقيق حسم او تسوية سياسية تقرر واقعا جديدا في الدولة المتفككة وتوقف سفك الدماء. الولايات المتحدة معنية بأن ترى في سوريا نظاما سنيا معتدلا وجهته نحو الغرب، ولكنها ترددت حتى الآن في أن تستثمر في ذلك مقدرات ذات مغزى. أما روسيا فترى أهمية في استمرار وجود النظام العلوي (مع الأسد أو بدونه) خوفا من أن يكون البديل هو التفكك التام، التطرف وفقدان سيطرتها، بهذا الشكل أو ذاك، على الارض. تركيا من جهتها تريد أن ترى نظاما سنيا في دمشق، ولكن كما يذكر فإنها منشغلة في الصراع ضد الأكراد. ولهذا فقد أيد نظام أردوغان على مدى فترة طويلة داعش وسمح بحركة الجهاديين من كل العالم نحو سوريا كي ينضموا إلى الحرب ويضربوا الأكراد.
تزيد هذه الفوضى أكثر فأكثر الاحتمال، العالي على أي حال، في ألا يتحقق وقف إطلاق النار. فما بالك عندما يكون من ناحية السُنة ـ الذين يشكلون أكثر من 70 في المئة من السكان في سوريا ـ وخصومهم الألداء أبناء الطائفة العلوية، الأمر هو حساب دموي مفتوح.
وعليه، فإن اتفاق وقف إطلاق النار يعكس بالأساس محاولة خارجية للتدخل وليس مصلحة واضحة للجهات المتخاصمة نفسها لوقف الحرب.
إضافة إلى ذلك فإن ادعاء الجهات الخارجية توحيد سوريا من جديد ليس واقعيا. فسوريا باتت منقسمة إلى كانتونات على أساس ديمغرافي، وبتقديري ستبقى هكذا لسنوات طويلة اخرى.
الجيش السوري الذي كان يعتبر في الماضي أحد الجيوش القوية في الشرق الاوسط، متآكل ومصاب. وكلما استمرت الحرب ـ وهي ستستمر ـ فإن وضعه كفيل بأن يتفاقم أكثر فأكثر. الأسد يعرف هذا. كما أنه يعرف بأنه بدون استمرار المساعدة التي يتلقاها من روسيا، إيران وحزب الله، فإن احتمالاته بالنجاة صغيرة بشكل كبير.
فالقوات السورية تحت إمرته لا يمكنها أن تحافظ على الوضع القائم إذا لم تتمتع بالمظلة الروسية والإيرانية ومن السلاح الذي تزوده لها موسكو وطهران.
يعرف الأسد ومؤيدوه بأن هذه معركة حياة وموت، وهذا الوضع سيستمر حتى لو قرر الأسد نفسه ترك سوريا والحصول على ملجأ في دولة اخرى. وعليه، فإن اصطلاح «نظام الاسد» لا يتحدث مثلما في السابق عن نظام دولة، بل عن طائفة تسيطر على مناطق معينة في أرجاء ما كانت سوريا.
بالنسبة لإسرائيل، فإن اتفاق وقف إطلاق النار لا يغير شيئا. من المهم مواصلة العمل بمسؤولية وتفكر بسياسة عدم التدخل في الحرب الداخلية في سوريا، في ظل الإصرار على مصالحنا، التي ترسمها الخطوط الحمراء: عدم السماح بخرق سيادتنا (مثلما شهدنا هذا الاسبوع) والرد بشدة حين يحصل هذا؛ عدم السماح بنقل وسائل قتالية متطورة إلى اعدائنا؛ عدم السماح بنقل مواد ووسائل قتالية كيميائية إلى أعدائنا (الأمر الذي لم يحصل بعد). حتى الآن أثبتت هذه السياسة نفسها وهي تردع كل الجهات المشاركة في الحرب: النظام السوري، الحرس الثوري الإيراني، حزب الله وداعش. ويجب الاستمرار فيها.
موشيه (بوغي) يعلون
يديعوت 15/9/2016