مقال: د. رمزي عوض
حرب جديدة بدأها الاحتلال الإسرائيلي لضرب الحقوق الفلسطينية، تمثّلت بمطالبة رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جلسة حكومية يوم الأحد الماضي في 11 يونيو/حزيران وخلال لقائه بسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية (نيكي هيلي)، بتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، حيث اعتبر نتنياهو " أنّ الأونروا إلى حد كبير بسبب وجودها وأنشطتها من حين لآخر، تُخلّد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلاً من حلّها، ولذلك حان الوقت لتفكيك الأونروا ودمج أجزائها في المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة."
جاء هذا التصريح لرئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رداً على بيان صدر عن المفوّض العام لوكالة الأونروا السيد (بيير كرينبول) في ذكرى مرور نصف قرن على استكمال احتلال فلسطين عام 1967، وقال فيه: " إنّ الاحتلال أيضاً هو إنكار للكرامة والحقوق الأساسية، مُشيراً إلى أنّه في حرب حزيران عام 1967 تعرّض عشرات الآلاف من الفلسطينيين للتشريد، بمن في ذلك أكثر من (120) ألف لاجئ من فلسطين، وأضاف كرينبول: "بعد خمسين عاماً من ذلك اليوم، فإنّ العواقب الإنسانية للاحتلال لا تزال أمراً لا مفر منه بالنسبة لكافة الذين تضرروا منه، إنّ الاحتلال يؤثّر في كل جانب من جوانب الحياة لأكثر من مليوني لاجئ من فلسطين، والذين يُشكّلون حوالي 42 % من كافة الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنّ الحياة التي كان ينبغي أن يتم تعريفها بالفرص، قد تم تقزيمها لتُصبح يأساً لا نهاية له.
وكان سابقاً السيد كرينبول قد طالب بزيادة تمويل وكالة الأونروا كونها بحاجة مستمرة للتمويل في ظل تزايد حاجة اللاجئين الفلسطينيين للخدمات، مطالباً بميزانية ثابتة من الأمم المتحدة مشيراً إلى أن الوكالة تتلقى أيضاً ما وصفه بالمال السياسي، في إشارة غير مباشرة منه إلى أن الوكالة تتعرض لضغوط دائمة في عملها، وقد جاء كلامه هذا أمام اللجنة الاستشارية للأونروا في أواخر مايو/أيار الماضي.
وبعد تصريح نتنياهو أصدرت وكالة الأونروا بياناً جاء فيه : " طالعتنا الأنباء في وسائل الإعلام بخصوص مسائل تتعلق بمهام ولاية الأونروا وموقفنا حيال ذلك واضح ولم يتغير، فإن ولاية الأونروا ممنوحة لها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن الجمعية العامة للأمم المتحدة فقط، وبتصويت الأغلبية، بمقدورها تغيير مهام ولايتنا، ففي كانون الأول 2016، تم تمديد مهام ولاية الأونروا لثلاث سنوات من قبل الجمعية العامة وبأغلبية كبيرة." وأضاف البيان: إن وضع لاجئي فلسطين ينبغي أن يتم حله كجزء من قرار سياسي للنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولقد حان الوقت لاتخاذ إجراء سياسي لحل هذه الأزمة التي طال أمدها.
هذا الموقف من قبل وكالة الأونروا يعد سابقة مهمة في طريق نيل الحقوق الفلسطينية، وتثبيتاً لوجود الأونروا كشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني، وربما يأتي ليخفف قليلاً من وطأة الانتقادات التي تتعرض لها الوكالة بسبب برنامج "الحيادية" الذي تطبقه على موظفيها وبرامجها، والذي يرفضه اللاجئون الفلسطينيون ويؤكدون بأنه يضرب حقهم في التعبير، الأمر الذي يتعارض مع أبسط الحقوق والعهود الدولية التي تضمن حق الرأي والتعبير وتقرير المصير للشعوب المضطهدة.
اللاجئون الفلسطينيون يقولون في غير مناسبة أن ما تسميه الأونروا برنامج الحياد يأتي نتيجة المال السياسي الذي تتلقاه الوكالة والذي يساهم بضمان استمرارها في خدماتها.
هي إذاً خدماتٌ مشروطة بمواقف سياسية ترغب في تقديمها الدول المانحة، ربما مُستغلة حالة التخبط السياسي وعدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة العربية والإسلامية ، والذين أسهما إلى حد كبير في جعل القضية الفلسطينية ليست ذات أولوية، إن لم تكن في آخر سلم هذه الأولويات، ما يجعل استمرار عمل الأونروا أكثر صعوبة.
لذلك على كل الداعمين للحقوق الفلسطينية، إيجاد سبل جديدة لتمويل الوكالة والضغط لتأمين تمويل مستمر يحررها من أي تبعية سياسية، ومن أي ضغوط تُمارس عليها وتجعلها على تماسٍ مباشر مع جموع اللاجئين في مناطق عملها الخمس، والذين لا يمكن أن يتقبلوا فكرة "الحياد" في قضية هم الضحايا الأوائل فيها.