مقال: الوليد يحيى
يُحيي العالم في العشرين من حزيران من كلّ عام، اليوم العالمي للاجئين، في تقليد بدأته المفوضيّة العامة لشؤون للاجئين في الأمم المتحدة منذ العام 2001، لتسليط الضوء على قضايا الملايين من البشر، أجبروا على الفرار من منازلهم وبلدانهم، طلباً للأمان والحماية.
ولأنّ قضيّة اللجوء، محض انسانيّة، وفق اعتبارات المفوّضية، كان الهدف من تخصيص يوم عالمي للاجئين، هو جعل قضيّة اللاجئين المسجلين بسجلّاتها، في نصب اهتمام الجمهور العالمي، وجعل ذلك الجمهور مؤثّراً في الضغط على الحكومات من أجل ايجاد حلول لمشكلة اللاجئين، فأنشأت المفوضية بهذا الشأن عريضة جماهيريّة لحشد المؤيدين والمتعاطفين مع اللاجئين حول العالم، والمطالبين بتحسين حياتهم، وإنهاء أسباب لجوئهم.
ودأبت كذلك المفوضيّة في هذا اليوم من كل عام، على إبراز قصص شخصيّة للاجئين، تعرض كافة جوانب معاناتهم الحياتية، لتكون محطّ جذب واستقطاب لأكبر كمّ من الجمهور المتعاطف والداعم.
من هنا كان اليوم العالمي للاجئين يوماً عاطفيّاً بإمتياز، يخص اللاجئين المنضوين ضمن تعريف المفوّضيّة للاجئين، والذي يحصر التعريف بما نصّه: " اللاجئون هم الأفراد الذين يضطرون لمغادرة ديارهم حفاظاً على حرياتهم أو انقاذاً لأرواحهم. فهم لا يتمتعون بحماية دولتهم، لا بل غالباً ما تكون حكومتهم هي مصدر تهديدهم بالاضطهاد".
التعريف الضيّق للاجئين وفق المفوضيّة الأممية، لم يحل دون استيعاب المفوضيّة لضحايا الحروب والاحتلالات والنزاعات الدوليّة، لكن بعد إبتداع توليفة التفافيّة تجد لهؤلاء مخرجاً لا يمس بجوهر التعريف العريض الذي تعتمده الأمم المتحدة للاجئ.
فصار اللاجئون من أفغانستان والعراق على سبيل المثال، ضحايا عنف ونزاع داخلي وعدم استقرار حكومي، لذلك سيكون دور المفوضيّة وخصوصاً في اليوم العالمي للاجئين، إبراز قضاياهم للجمهور العالمي على أنّها نتيجة اضطهاد داخلي فقط لاغير.
فمن نافل القول، أنّ المفوّضيّة الساميّة لشؤون اللاجئين، تحرص على تعميم زاوية ذات بعد أحادي لتكون مجال النظر الأوحد المتاح أمام الجمهور العالمي، لمقاربة مشاكل اللاجئين والتعاطف معها على أساس اعتبارات المفوّضية، دون أن تشمل تلك الزاوية ما تعمد المنظّمة الدوليّة على تغييبه من أبعاد سياسية لمشكلة اللجوء، تمس المنظومة الدوليّة بحد ذاتها، والتي تمثّل الأمم المتحدة أبرز تعبير سياسي عنها بما تشمله من مراكز قوى وهيمنة.
واذا كانت مشكلة مجمل اللاجئين الذين يشملهم تعريف المفوضيّة، قابلة للحل نظريّاً وواقعيّاً ضمن سياقات قانونية، يمكن استخلاصها من روح التعريف الأممي المشار إليه، والذي يُرجع أسباب اللجوء إلى المشكلات الداخلية للأنظمة وحكومات، وهي أسباب متغيّرة، وأكثر قابلية على الاستجابة للضغط الدولي والشعبي العالمي، فماذا عن اللاجئين خارج إطار هذا التعريف، ونخصّ هنا اللاجئين الفلسطينيين؟
لاشك أنّ مسألة اللجوء الفلسطيني منذ بدايتها إثر الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، يخصّها المجتمع الدولي بمكانة متفرّدة، وأسس من أجلها دوناً عن لاجئي العالم، منظّمة خاصة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، لا لكونها مسألة عادلة في ذهنية الأمم المتحدة المحكومة من مراكز قوى خلقت تلك المسألة، بقدر ما هي مسألة اشكاليّة في تلك الذهنية، تبحث لها مراكز القوى الدوليّة عن حل ما، يشير سير الوقائع في مضمارها، إلى إتجاه تسويفي غير عادل، بالأخص للهوية الفلسطينية، أرادته القوى الدوليّة لها منذ أن حرفت المسار عمداً، وشوشت على الاعتبارية القانونية للاجئين الفلسطينيين منذ أن اعتبرتهم بلا وطن، وحصرتهم دوناً عن لاجئي الكون، بإطار خاص بهم، يحوّط قضيّتهم بالكثير من الغموض.
وإذا كان اللاجئ المنضوي ضمن تعريف المفوضيّة الأممية والمسجّل بسجلاتها، يحظى بإعتباريته كمواطن لاجئ من دولة قائمة يحمل جنسيّتها، وبالتالي مُتاح له العودة إليها بمجرد انتهاء مشكلاتها الداخليّة، فإنّ المكانة التي وضع بها المجتمع الدولي اللاجئ الفلسطيني، جرّدته عن تلك الاعتبارية، فلا ميزة هنا لوكالة " الأونروا" عن المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين، بل فيها يكمن فحوى التعريف العميق للاجئ الفلسطيني، فهو كائن بلا دولة ولا هوية.
ولعل القرار 194 الشهير، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما تضمنّه من حل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، يقضي بوجوب عودتهم إلى الأراضي التي هجّروا منها عام 1948، رغم أنّه الشهادة الأممية الأبرز على مسألة اللاجئين الفلسطينيين، وما أعقبه من تشكيل وكالة "الأونروا" الّا أن القرار بنصّه الحرفي لم يطلق على أولئك اللاجئين صفة الفلسطينيين.
بل اكتفى بصفة لاجئين للأشخاص المهجّرين عام 1948، وأردفها بعبارة "الراغبين بالعودة والعيش مع جيرانهم على تلك الأرض" وهي الأرض التي اعترفت الأمم المتحدة بأنها تعود لـ"دولة اسرائيل".
فتعريف "الأونروا" للاجئ الفلسطيني رغم إشارته إلى أنّه "الشخص الذي عاش في فلسطين بين أعوام 1946 و1948، وفقد منزله ومورد رزقه نتيجة الحرب العربية الاسرائيلية عام 1948"، إلا أنّه ينضوي على الكثير من التحريف، من حيث عدم إظهاره للتهجير كفعل احتلالي متعمّد من قبل العصابات الصهيونية، وتبيان الأمر كما لو أنّه قد تمّ نتيجة حرب إعتيادية بين دول، إلا أنّ إرجاع سبب فقدان المنزل ومورد الرزق للحرب، لابد أن يعني أنّ انتهاء تلك الحرب لابد أن يؤدي إلى انتهاء اللجوء، وهذا ما لم يتم نتيجة سكون المجتمع الدولي وتواطؤه مع التعنت "الاسرائيلي"، في رفض القرارات الدولية القاضية بعودة اللاجئين.
فالعالم اليوم يحتفي باللاجئ المُعرّف أمميّاً، ويتجاهل اللاجئ الفلسطيني المحتجز بتعريف " الأونروا" فهذا الأخير بلا هوية ووطن، تمنحه "الأونروا" صفة لاجئ ضمن أماكن عملها، خارج تلك الأماكن هو "بلا دولة" كما تدونه دول اللجوء الأوروبي في سجلات اللاجئين لديها، وتزيد عليها للتوضيح "بلا دولة -حياة بريّة" !.