هناك حياة ما بعد البيت الابيض، خاصة اذا دخلت اليه وأنت شابا. يمكن الافتراض أن أوباما سيستمر في الاهتمام، خصوصا بالمواضيع الدولية. ستكون افضليات كثيرة بأثر رجعي للرئيس السابق. لديه الكثير من الوقت ومسؤولية أقل. يمكن القول إنه لن يشتاق وأنه سيعود. يمكن أن يعود إلينا الرئيس السابق، إلى المنطقة، في محاولة لاصلاح ما تضرر اثناء ولايته.
سيحاول الرئيس السابق أوباما ايجاد الحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فهو لم يفقد رغبته في انهاء الصراع. ولكن مع مرور الوقت في منصبه فهم، مثل الرئيس بيل كلينتون في حينه، إلى أي حد هذا الصراع معقد.
تكفي المقارنة بين خطاب أوباما الاول في الجمعية العمومية قبل ثماني سنوات وبين خطابه أول أمس. فقد رأينا في الخطاب الاول تصميم على انهاء الصراع، وفي الخطاب الثاني كان ادراكا للمشكلة ودعوة للطرفين بالاعتراف بأهمية الحل. وقد طلب من الإسرائيليين وقف البناء في المستوطنات (وهذا ليس شيئا جديدا)، وطلب من الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية (هذا ليس جديدا جدا).
ما الذي سيفعله أوباما الآن؟
السؤال الكبير الآن هو ما الذي سيفعله أوباما حتى كانون الثاني، موعد ترك البيت الابيض. هل سينضم حقا إلى المبادرة الفرنسية التي تنتظرنا في مجلس الامن بعد الانتخابات في الولايات المتحدة؟ هذا ما يتوقعه المحللون المتشائمون الذين يصفون لنا واقعا خياليا منذ سنوات، تتحول فيه الولايات المتحدة وإسرائيل في عهد أوباما ونتنياهو إلى عدوتين (لولا تقليص ميزانية الدفاع الامريكية في ولاية أوباما، لكنا نزلنا إلى الملاجيء خوفا من قصف امريكا لتل ابيب، لو كان المحللون على حق).
وبسبب اللغز الكبير حول ما سيفعله أوباما حتى نهاية ولايته، جرى أمس اللقاء الـ 17 (وقد يكون اللقاء الاخير بين أوباما الرئيس وبنيامين نتنياهو) الذي حظي بأهمية كبيرة. وحسب الاحاديث فإن اللقاء كان جيدا. أوباما تحدث عن القلق من البناء في يهودا والسامرة، الامر الذي يشكل حسب رأيه عقبة أمام السلام. أما نتنياهو فتحدث عن التزام إسرائيل بالسلام. يوجد للزعيمين هدف متشابه، لكن السؤال هو كيف يمكن الوصول اليه. يمكن أن للفلسطينيين ايضا دورا في المشكلة. وفي الوقت الحالي تم اضافة مشكلات صعبة في المنطقة وانهارت عدة دول وقُتل في سوريا حوالي 400 ألف مواطن. والغريب هو أنه ليس لإسرائيل أو الصراع الفلسطيني أي صلة بالموضوع.
لديه إرث
لقد أراد أوباما إرثا وقد حصل عليه. لقد كفّر عن الاتفاق مع ايران عندما زاد المساعدات العسكرية لإسرائيل. يمكن القول إن الرئيس الامريكي يقدر حقيقة أن نتنياهو وقع معه رغم معارضة بعض اصدقاء إسرائيل في مجلس الشيوخ. يصعب القول إن رد أوباما سيكون الانضمام إلى المبادرة الفرنسية في خطوة تضر بإسرائيل في مجلس الامن. وللفيتو الامريكي دور مزدوج في هذه الحالة: الحفاظ على العلاقة القوية والشخصية بين الدولتين اللتين لهما نفس القيم. وايضا الحفاظ على السيطرة الامريكية على عملية السلام. لأن المبادرة الفرنسية تدخل إلى الفراغ الذي تركه الامريكيون بعد المحاولة الفاشلة لمبادرة أوباما ـ كيري. صحيح أن الولايات المتحدة في عهد أوباما اختارت أن تقود الحروب من الخلف، لكن هل ستفعل خطوة مشابهة ايضا في عملية السلام؟ يصعب معرفة ذلك.
اثناء اللقاء في نيويورك كانت لغة للجسد، وحوار قصير، حيث دعا نتنياهو أوباما إلى قيساريا للعب الغولف. ويمكن التلخيص والقول لاولئك المتنبئين الذين رافقوا العلاقة بين الزعيمين في السنوات الاخيرة، إنه رغم التوقعات المتكدرة والنبوءات المتشائمة، يمكن أن يكون أوباما ونتنياهو قد تودعا كأصدقاء.
أوباما ونتنياهو مختلفان في قناعتهما، وهذا ليس سراً وليس جديدا. أمس ايضا في لقائهما الاخير كان يمكن ملاحظة أن الخلاف بينهما ما زال قائما، ويمكن الافتراض أن هذا الخلاف كان سيبقى حتى لو بقي أوباما ثماني سنوات اخرى في منصبه. أوباما لم يلائم مواقفه مع مواقف نتنياهو. ورئيس حكومة إسرائيل ايضا حافظ على مبادئه وعلى مصالح إسرائيل كما يراها. ولكن يجب علينا تذكر أن هذه ليست فقط علاقة بين زعماء، بل هي علاقة بين دول.
من المسموح الآن العودة والتساؤل اذا كان أوباما سينضم، كخطوة أخيرة له كرئيس، إلى المبادرة الفرنسية التي ستحرج إسرائيل. يصعب تصديق ذلك بناء على ما شاهدناه أمس. فقد أثبت لقاء أمس أن الاختلاف مع أوباما قائما، لكن يصعب ازالته مثلما يصعب تفكيك واخلاء مستوطنات.
بوعز بسموت
إسرائيل اليوم 22/9/2016