مخيم عين الحلوة - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
إنتصار الدّنّان
للأطفال حقوق يجب أن يؤمنها الأهل أولًا ومن ثم المجتمع والدولة، ويجب أن لا تنتهك حقوق الأطفال بتشغيلهم، وجعلهم يتركون المدرسة لأي سبب كان، فالدولة مسؤولة عن تأمين التعليم والمدارس المجانية، وملاحقة الأهل الذين يرفضون إدخال أولادهم إلى المدرسة قانونيّا، ذلك حماية لهم من العمل في مهن لا تتناسب وأعمارهم.
«منظمة العمل الدولية» أصدرت اتفاقيات عدّة تضع المعايير الأساسية لحقوق الطفل في العمل، وكان آخرها الاتفاقيتين: الرقم 138 سنة 1973 في شأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، والرقم 182 سنة 1999 في شأن أسوأ أشكال عمل الأطفال.
والدول الموقعة على الاتفاقيتين بأحكامها تلتزم بها، وتتم مساءلتها في حال أخلّت بالالتزامات المترتبة عليها بموجبهما.
على الرغم من ذلك هناك العديد من الأطفال الذين يعيشون في مخيم عين الحلوة الواقع في مدينة صيدا، جنوب لبنان، محرومين من حقهم في التعليم، والأسباب تعود بالدرجة الأولى إلى تدني المستوى الاقتصادي للأهل، وللمشاكل الأسرية التي يعاني منها الأهل داخل المخيم.
"أحب المهنة التي أتعلمها، وأتقاضى ثلاثين ألف ليرة لبنانية أسبوعيًّا بدلًا عن عملي".
يامن شحادة، من صفد في فلسطين، يعيش في مخيم عين الحلوة، يعمل حلاقًا في محل للحلاقة في مدينة صيدا، قال:
"تركت المدرسة، لأنني شعرت بأن وضع أهلي المادي لا يساعد في تأمين كل مستلزمات حياتنا اليومية، وعندي أخوة يجب أن يتعلموا ولا يصير مصيرهم كمصيري خارج المدرسة".
"كنت قبل أن أترك المدرسة أقصد محل الحلاقة لأتعلم هذه المهنة، فكنت عند انتهائي من دوام المدرسة وفي العطل أحضر إلى المحل، فأعمل حلّاقًا، فهذه المهنة سهلة إلى حدٍ ما، والعمل فيها يتناسب مع عمري"، يضيف شحادة "أستطيع عندما أكبر أن أفتح محلّا في مخيم عين الحلوة لأعمل فيه، فقد عزفت عن فكرة متابعة تعليمي، لأنني أرى خريجي الجامعات من الشباب لا يستطيعون العمل بتخصصاتهم، لكن هذه المهنة من المتاح لي أن أعمل بها".
يتابع، "ومن عملي في هذا المحل أتقاضى أجرا بسيطا، أوفره لوقت حاجتي له، ففي العيد مثلا أشتري به ملابس العيد، وأستخدمه لمصروف العيد، وأساعد والدي في بعض الأمور.
لقد عرّفت الاتفاقية العربية (رقم 18 سنة 1996 في شأن عمل الأحداث) الطفلَ بأنه: «الشخص الذي أتم الثالثة عشرة ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره سواء كان ذكراً أو أنثى»
وحظرت عمل من لم يتم سن الثالثة عشرة من عمره، ونصّت بشمول أحكامها الأنشطة الاقتصادية كلّها، باستثناء الأعمال الزراعية غير الخطرة وغير المضرة بالصحة، وذلك وفق ضوابط تحدّدها السلطات المختصة، على أن تراعي الحد الأدنى لسن الأطفال.
وأوجبت الاتفاقية عدم تعارض عمل الأطفال مع التعليم الإلزامي، وألا يقل سن الالتحاق بالعمل عن الحد الأدنى لسن إكمال مرحلة التعليم الإلزامي.
هذه الاتفاقيات كما نرى اليوم في بلاد عدة لا يُعمل بها، لأسباب عديدة، منها النزوح، والحروب، والوضع الاقتصادي للأهل، أضف إلى ذلك الجهل لدى الأهل الذي من شأنه أن يضر بالطفل.
بلال محمد الخطيب أحد الأطفال الذين حرموا من متابعة تعليمهم، والسبب في ذلك عائد إلى مشاكل أسرية وقعت بين الأم والأب، فاضطر بلال إلى الاعتناء بأخته الصغيرة، وأخيه، حتى عودة الأب من العمل.
يبلغ بلال من العمر خمسة عشر عامًا، يعمل في محل لتصليح ميكانيك السيارات في مخيم عين الحلوة، ترك المدرسة وهو في الصف الرابع الأساسي، يقول بلال شارحًا حالته للبوابة:
"لم أكن أريد ترك المدرسة، لكن ظروفي أجبرتني على ذلك، فكان والدي يلزمني البقاء مع أخوتي الصغار لأعتني بهم، وأختي التي كنت أهتم بها صارت تبلغ من العمر تسع سنوات، وبعد عودة حياتنا العائلية كما كانت عليه في السابق، كان قد فات الأوان لعودتي إلى المدرسة، لأنني نسيت الكتابة والقراءة، وصرت أكبر من زملائي الذين سيكونون في صفي، لذلك عزفت عن فكرة العودة إلى المدرسة، وفضلت أن أتعلم مصلحة تصليح السيارات".
جميع الاتفاقيات بخصوص الأطفال وعمالتهم، أُبرمت بهدف القضاء الكامل على عمل الأطفال، إذ وضعت حداً أدنى لسنّ العمل، وهو سن إتمام التعليم الإلزامي، واعتبرت أنه لا يجوز أن يقل عن الخامسة عشرة، ومنعت تشغيل الأطفال حتى سن الثامنة عشرة في الأعمال التي يمكن أن تعرضهم للخطر صحيا أو أخلاقياً، وأصبح تفعيلها ملحاً في الوقت الراهن، نظرًا لارتفاع نسبة العمالة وخطر انتشار الأمية بين الأطفال.