لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
نشوى حمّاد
ارتدوا الكوفيات، حملوا أعلام فلسطين، وتجمعوا منتظرين الباصات التي ستقلهم إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، عشرات اللاجئين توجهوا يوم أمس الخميس 2 تشرين الثاني الموافق للذكرى المئويّة لوعد "بلفور"، إلى قريّة مارون الرأس الحدوديّة، لإحياء هذه الذكرى والتأكيد على التمسك بحق العودة.
إنطلقت الباصات التي زينت بالأعلام الفلسطينية، من مدينة صيدا جنوبيّ لبنان، كان الحماس والشوق للقاء الأرض بادياً على الوجوه، يسابق الزمن ويعد الثواني، وبين الحين والآخر يهب شخص ويسأل "أين هي فلسطين؟! أما زالت تبعد كثيراً؟!" ويهب شخص آخر ليريح قلب صديقه ويقول، لقد اقتربنا، باقي فقط القليل وستستنشق هواء بلادنا، استمر الحال على ما هو عليه، حتى وصلنا إلى حاجز تابع للجيش اللبناني ... حينها حبست الأنفاس خوفاً، الخوف من تلاشي الأمل استوقف الجيش اللبناني الباص، مدققاً في الهويات، دقائق مررت وكأنها ساعات، وأخيراً سمح لنا بالعبور.
انطلقت الباصات، واختلطت ملامح الركاب وتمازجت بين الفرح والغضب، الفرح من أنّ الحلم على وشك ان يتحقق، وغضباً من واقع يقيّد الفلسطيني حتى إذا أراد رؤية بلاده عن بعد، ففي لبنان لا يسمح لأي فلسطيني أن يعبر إلى الحدود إلا بتصريح من قبل الدولة اللبنانيّة، وحتى مع وجود التصريح، هناك بعض العوائق أحياناً.
"فلسطين وراء هذه التلة " قال أحدهم، فتسمرت الأعين، محدقة إلى النوافذ وعمّ الصمت لدقائق، وصلت الباصات إلى المكان ونزل الركاب مسرعين حاملين شوقهم، ولهفتهم لفلسطين.
وفي أقرب نقطة إلى الأراضي الفلسطينيّة، اعتصم الأهالي وممثلو الجمعيات والمؤسسات الأهلية القادمين من مدينة صيدا جنوبيّ لبنان، رافعين أعلام فلسطين التي تطايرت مع النسائم القادمة من البلد المحتل وتناغمت مع ألحان النشيد الوطني الفلسطيني، كل ذلك أمام أعين جنود الاحتلال، الذي أعلن الاستنفار بين صفوف جنوده، وهب أعداد منهم إلى الحدود يراقبون هذه التجمعات التي جاءت لترفع صوتها وتقول للاحتلال، أن الأجيال لن تنسى وطنها فلسطين، وأن وعد "بلفور" هو وعد باطل.
مدير مكتب شؤون اللاجئين في حركة حماس، ياسر علي، أشار لـ " بوابة اللاجئين الفلسطينييّن"، إلى أنّ إحياء ذكرى مئوية "بلفور" من هذا المكان، هو تأكيد أن الراية الفلسطينيّة ستورث عبّر الأجيال، وستظل فلسطين هي بوصلة كل اللاجئين وهي وحدتهم ومبتغاهم.
مشيراً، إلى أنّ "الأونروا" وفي آخر قرار لها، بمنع إحياء ذكرى وعد "بلفور" داخل حرم مدارسها بدعوة أنها مناسبة سياسية، لا تقصد أيّ مؤامرة خبيثة لطمس القضية، وذلك لأدراكهم التام، بأننا لن ننسى أرضنا ولن نتنازل عن حقنا، وأنّ هذا القرار جاء لوضع المزيد من العوائق أمام الشعب الفلسطيني.
ونوه قائلاً: إن من أقاموا بالخيّام لمدة 70 عاماً، متحدّين كل الصعاب، لن يعجزوا عن إحياء المناسبات الفلسطينية وزرعها داخل قلوب وعقول أطفالهم من داخل تلك الخيام أيضاً.
بدوره، المدير العام لمؤسسة "هوية"، ياسر قدورة، قال " إنّ الرسالة التي جئنا لنرسلها اليوم من هنا، من على الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة، هي أنّ فلسطين كانت ولا تزال وطن قومي للفلسطينيين، ولنثبت أيضاً، أنّ مئة عام مرّت ولم نتخلى عن حقوقنا ولن ننسى وسنعود.
وبصوت اندمج مع نغمات من الفرح والفخر، أشار بيده إلى التلال المجاورة قائلاً، "أنا من سحماتا، قضاء عكا، وهي تقع خلف تلك التلال المطلة علينا، هذه اللحظات ثمينة جداً، والأحساس بالإنتماء يزداد جمالاً وغرابة، فهو أجمل شعور واقساه أيضاً"، وأضاف " أعمد أن أحيّ أغلب المناسبات الفلسطينيّة من هذا المكان أنا وأفراد عائلتي، لكي نستمد جرعة من هواء الوطن وشحنة أمل من نسائمه".
أما المدير التنفيذي لـ "هوية"، محمد أبو ليلى، أستذكر حكاية أجداده عن أيّام النكبة، فأراضي الحدود التي يقف عليها الآن هي أول من استقبل أجداده، بعدما هجّروا من بلادهم، يقول: "من رميش إلى مارون الرأس وصولاً إلى بنت جبيل كانت رحلة شاقة مليئة بالاوجاع، تلك الحكايات تشعل ناراً في نفسي كلما تجسدت أمامي، أما حكاياتهم عن أيّام العيش في فلسطين فتخلق في قلبي حنينا قاسياً للعودة ولمس تراب أجدادي" قال أبو ليلى.
في الختام، تجمع الفلسطينيون لالتقاط الصور، على مشارف أرض الوطن، ليحتفظوا بصورة جمعتهم يوماً بوطنهم المحتل في إطار واحد، وبين كل هذه الجموع الكثيرة، وقفت عجوز في آخر العقد الثامن من عمرها، بصمت تتأمل أرضها التي أبعدت عنها قصراً، وبصوت جسد الحسرة قالت "صفوريّ، اشتقتلك يا بلادي، بحن لأيامك وبحن لعطرك .. رح يجي يوم واشم ريحة ترابك".