لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
تحقيق: هديل الزعبي
كان لا بد من اشتعال فتيل المعركة في الأوّل من نيسان، حيث كانت معركة الطيرة الأولى في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي صيدا، ميلاد مخاض مفاوضات جرت بين القوّة المشتركة ومجموعة بلال بدر. لم تقبل هذه القوة وعامودها الفقري حركة "فتح" بأكثر من عشرين ألف دولار أمريكي لبلال بدر, فيما أصرّ الأخير على ثلاثين ألف مقابل انتشارها والقيام بجولاتها في معقله بحيّ الطيرة, بالإضافة إلى (5) آلاف كل شهر لتفريغ عناصره في نفس القوة. وبذلك يكون فارق العشرة آلاف دولار هو الشرارة التي لا يعلم أحد سبب اشتعالها آنذاك، وهذا ما عُرف بمعركة "العشرين عشرة".
إذن، كان المال كفيل بالحل السلمي؟
لم تقضِ معركة نيسان أو معركة "العشرين عشرة", كما يُسميها الشارع على حي الطيرة بالكامل، لكنها دمّرت الجزء الأكبر منه، بالإضافة إلى المحال التجارية في الشارع الفوقاني و بعض البيوت في الأحياء المجاورة.
سليمان حجير وهو أحد سكان الحي المنكوب وعضو في لجنته، نجا و عائلته من المعركتين، إلّا أنّ بيته تعرّض للتدمير. يقول حجير: "أحرِق و دُمّر الجزء الأكبر من منزلي في معركة نيسان نتيجة استعمال الأسلحة الثقيلة، وبقيت غرفة شبه صالحة للسكن في هذه المعركة."
أمّا أسامة إبراهيم أحد أصحاب المحال التجارية في الشارع الفوقاني منذ أكثر من (15) عام، لاقى الضرر نفسه في الجزء الأكبر في محلّه المكوّن من طابقين، يقول لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "ذهبت إلى فتحي أبو العردات بعد المعركة الأولى وبناءً على تصريحاته بالحسم العسكري ووعوده بالتعويضات انتظرت الشهور الثلاثة."
مسح الأضرار وتقديم المساعدات
وفي الوقت الذي كانت حركة "فتح" تترقّب معركة أخرى، بدأت "جمعيّة نبع" ومن ثمّ "الأونروا" بإجراء مسح وإحصاء أوّلي للأضرار في حي الطيرة والأحياء الأخرى المُتضررة, وكانت نتائج الإحصاء الأوّلي التي لم تُعرض حتى اليوم كالتالي:
في حي الطيرة، تعرّض (36) منزل للضرر الكامل، والضرر الجزئي لحق (90) منزل، بينما (155) منزل صُنّف كضرر بسيط. وفي حي الصفصاف هناك (2) ضرر كامل، (75) ضرر جزئي، و(169) ضرر بسيط.
فيما لحق الضرر الكامل بـ (3) منازل في حي الرأس الحمر، بالإضافة إلى (29) ضرر جزئي، و(54) ضرر بسيط، وفي حي السميرية (2) ضرر كامل، (3) ضرر جزئي و(3) ضرر بسيط.
وفي حي الصحون سُجّل (10) منازل ضرر كامل، (13) ضرر جزئي و(50) ضرر بسيط، أمّا حي المنشيّة لم يُسجل ضرر كامل، بينما سُجّل (5) ضرر جزئي و(52) ضرر بسيط.
في ذات السياق، بعد إحصاء من عدة جهات لعدد خزّانات المياه المُتضررة، قامت جمعيّات ومؤسسات عاملة في المخيّم بتوزيع خزّانات مياه وصل عددها إلى (575) خزّان.
وفي التفاصيل، قدّمت مؤسسة "المساعدات النرويجية الشعبيّة" (137) خزّان مياه لبيوت حي الطيرة وبعض الأحياء المُتضررة، منها رأس الأحمر، زاروبة المسلخ، المجمع، حي عرب الزبيد. فيما قدّمت حركة "حماس" (100) خزّان مياه من خلال جمعيّتها "الفرقان الإسلاميّة"، وهذا يُفسّر اختلاط الأمر على البعض في حينه حول ما أشيع عن المُساهمة الأكبر للحركة.
وقدّم صندوق الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" (100) خزّان لحي الصحون الذي يُعتبر خارج نطاق خدمات "الأونروا"، في حين قدّمت بلدية صيدا (100) خزّان آخر.
جمعيّة "نبع" قدّمت في خطوتها الأولى (100) خزّان، عن طريق "بونات"، حيث تم استبدال "البون" بخزّان من محال تجارية في صيدا، ثمّ تبنّت (65) منزلاً من فئة ترميم بسيط، بحيث تُمكّن صاحب المنزل المُتضرر بشكل جزئي من العودة إليه.
وبناءً على ما سبق، لم تُسجّل أي جهة مساهمة في ترميم المنازل المُتضررة في الأحياء، باستثناء مساهمة "جمعيّة نبع"، فيما اقتصرت مُساعدة "الأونروا" على تقديم مبلغ (600) دولار للأهالي المُتضررين كمساعدة إنسانيّة. أمّا حركة "فتح" قد وزّعت مبالغ ماليّة (50-300) دولار لمُقاتليها المُشاركين في معركة "العشرين عشرة".
معركة آب وتَبِعاتها
مع بداية شهر آب، طغى على المشهد لدى أهالي مخيّم عين الحلوة، حالة من الغليان من المجهول الذي لم يأتِ بعد، وفي غضون ذلك قُطع المعاش الشهري عن المُتشدد بلال العرقوب الذي اعتاد أن تصرف له أحد فصائل العمل الوطني مبلغ يُقدّر بـ (1400) دولار شهرياً, فتَبِع ذلك مباشرةً "معركة العرقوب"، الذي يُقيم اليوم في منزل أحد ضُبّاط حركة "فتح" في حي الرأس الأحمر، بينما يعيش أصحاب المنازل غير الصالحة للسكن والآيلة للسقوط في ظروف أشبه بحياة المتسوّلين بانتظار الحصول على ما يُسمّى "تعويض للإعمار".
أضرار معركة آب ووعود في الهواء
دمّرت هذه المعركة ما نجا من سابقتها, فعلى سبيل المثال سليمان حجير الذي تعرّض منزله بالفعل للضرر في المعركة الأولى، قضت المعركة الثانية على منزله بالكامل، إذ بات يعيش مُتنقّلاً وعائلته من بيت لآخر ينتظرون إعادة إعمار منزلهم من قِبَل وكالة الغوث.
يرمي سليمان اللوم على الفصائل الوطنية والإسلامية المُشاركة في المعارك, مُطالباً إياها مُجتمعة بإنهاء العسكرة في حي الطيرة حيث يقطن، بالإضافة للقيام بما وعدت به بالتعويض على الأهالي و تحمّل مسؤوليتها عوضاً عن رميها على عاتق المؤسسات.
أمّا أسامة إبراهيم صاحب محل الخليوي في الشارع الفوقاني، الذي وعده مسؤولون في المعركة الأولى بالتعويض، قد دُمّر ما تبقّى من محالّه التجارية، بالإضافة إلى احتراق مُولّدات الكهرباء، ويقول إبراهيم لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "قد كان رد فتحي أبو العردات بعد انتظاري 3 شهور، عن طريق المؤسسات, أنّهم سوف يستمروا في الضغط على المؤسسات!"، وتابع "تلك الوعود و من ثمّ التملّص من المسؤولية لم يدفعني إلّا للمطالبة بحقّي بواسطة القانون، وبناءً على ذلك تقدّمت برفع دعوة قضائية ضد الذين قاموا بالمعركة"، مُضيفاً: "يبدو أنّ الحسم العسكري كان على الأرزاق."
وبانتظار التعويضات بعد انتهاء المعركتين، سقط سقف أحد المنازل مرتين على رؤوس قاطنيه، كان منزل أحد موظفي الهلال الأحمر الفلسطيني سعيد اليوسف.
لماذا لم تعوّض "الأونروا" المُتضررين حتى الآن؟
يشرح لنا مدير مكتب خدمات "الأونروا" في مخيّم عين الحلوة، السيد عبد الناصر، بعض قوانين ومعايير الوكالة، إذ تقوم الوكالة الأمميّة بمسحها الهندسي والاجتماعي، وبناءً عليه تُصنّف كل منزل في فئته. وفي معركة نيسان وضعت "الأونروا" خمسة معايير كأساس لتصنيف البيوت, تبدأ بالتدريج من الأقل ضرر إلى الأكثر، وشملت المعايير: ترميم بسيط, ترميم جزئي, ترميم كلي, إعمار, إعادة إعمار. أمّا معركة آب فقد خضعت لمعايير: جزئي، كلّي، أساس.
حسب "الأونروا" فإنها لا تدفع مبالغ إيجار، وبناءً على ذلك قدّمت في المعركة الأولى مبلغ (600) دولار كمساعدة إنسانية وفي الثانية (600) دولار، بالإضافة إلى (54) دولار على الفرد الواحد ضمن العائلة لأهالي حي الطيرة والأحياء الأخرى المتضررة كمساعدة إنسانية لفئات البيوت ضمن المعايير الثلاثة المذكورة أعلاه، ويستطيع الأهالي التصرف بها كما يشاؤون، أمّا البيوت المُتبقية فتبقى ضمن فئة "الترميم"، وتتوزّع هذه المساعدات الإنسانية على ما يقارب (120) منزلاً, فيما تستثني قوانين "الأونروا" المحال التجارية.
أمّا المنح التي قُدّمت لـ "الأونروا" حتى اللحظة، تضمّنت التزام من الهلال القطري (20) منزل في حي الطيرة لفئة "إعمار" في المعركة الأولى، يليه التزام من اليابان بمبلغ ثلاثة ملايين دولار لإعمار حي الطيرة في المعركة الثانية. ويؤكد مدير المُخيّم أنه لن يقتطع منه أي مبلغ لأي قسم سواء صحة أو غيرها خلافاً لما تُردده بعض اللجان. فيما نفى الحديث الدائر حول خمسة ملايين دولار من الهلال القطري.
يُضيف مدير المُخيّم، أنّه حسب قوانين "الأونروا" فإنها لا تدخل طرفاً ثالثاً بين طرفي اقتتال لجهة التعويض، وهذا ما يُبرر عدم التعويض على معارك طيطبا أو الصفصاف سابقاً, إلّا أنّ معركة الطيرة الثانية أخذت طابع آخر تمثّل بـ "محاربة الإرهاب"، الأمر الذي يجذب المُموّلين عادةً، وعلى هذا الأساس جاءت المنح الماليّة المذكورة.
تابع قوله، أنّه بين المعركتين لم يكن هناك ضمانة لدى "الأونروا" من الفصائل تُمكّنها من البدء في العمل ميدانياً، وما زال الوضع شبه قائم ولكن أقل حدّة.
ومن خلال ما صرّح به مدير مكتب "الأونروا" في منطقة صيدا إبراهيم الخطيب، لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، فالوكالة لا تعترف بما يُسمّى تعويض, إنما مساعدات لإعادة إعمار البيوت أو ترميمها, كمساعدة إنسانية تتوقّف على المبالغ التي ستُقدمها الدول المانحة, نافياً وجود أي أرقام تتعلّق بالتكاليف أو تحديد الوقت الذي سيبدأ فيه الإعمار، مُعتبراً أنّ أي مساعدة جاءت من أي دولة لم يتم التوافق على صرفها رسمياً حتى اللحظة, لأنّ "الأونروا" لم تنتهِ بعد من الخطة التي ستعرضها على هذه الدول لتوضيح كيفيّة الإعمار.
استثناء "الأونروا" اللجان الشعبيّة من اجتماعها الأخير
إنّ من يُراقب عن كثب يفهم بسهولة كيف تُقدّم بعض لجان الأحياء وبعض الأشخاص فيها ممّن يتبعون فصائل وطنية وإسلامية، أرقاماً لا علاقة لها بالواقع، و هذا ما أثبته المسح الأوّلي.
نذكر اعتصام قامت به لجان من القاطع الأول, بغير التوافق مع اللجان الأخرى و منها لجنة القاطع الرابع ولجنة الطيرة نفسها, حيث أقفلت مكتب مدير خدمات "الأونروا" في عين الحلوة مُطالبةً بالإسراع بدفع التعويضات، مُتهمة "الأونروا" بالمماطلة، حسب بيان المعتصمين آنذاك. وجاء الاعتصام في الوقت الذي تسرّب فيه خبر حصول "الأونروا" على منحة من اليابان، برغم أنّ بعض اللجان مثل عكبرة و طيطبا لم تدخلها لجان المسح أصلاً.
تَبِع هذا التحرك اجتماع عقدته "الأونروا" بمدرسة الشهداء في صيدا بناءً على طلب القيادة السياسية في المخيم, قد يبدو الأمر فيه بعض من المقارعة لأنّ نتائج هذا الاجتماع لم يعلم بها أحد من المخيّم والأهالي المُتضررين، خاصة في ظل غياب اللجان الشعبية المختلفة في المخيّم والتي تحجّجت القيادة السياسية بعدم أهليّتها بعد تحقيق "الأونروا" في ملف فساد ترميم المنازل لبعض الأعضاء، كما غياب التحديثات في ملف ترميم الطيرة والأحياء المُتضررة، حيث كانت أرقام اللجنة الشعبية حسب تصريح أمين سرها (2.6) مليون دولار برغم عدم انتهاء "الأونروا" من عملية المسح الهندسي الذي تُحدّد على أساسه تكاليف الإعمار.
ونظراً للتكتم في عرض نتائج الإحصاء الأوّلي حتى اليوم على غرار المرة الأولى، ارتأينا أنّه لا بد من عرض الأرقام الرسمية التي حصلنا عليها حصرياً، والتي تخالف أغلب ما قدّمه أشخاص من الفصائل في اللجان والتي على أساسها تُخلق لجنة في سرعة البرق وتتفتت أخرى كالعادة.
نتائج الإحصاء الرسمي لمعركة آب
تمثّلت أضرار حي الطيرة ب(47) حالة هدم كامل، و(181) ضرر جزئي، (183) ضرر بسيط. وحي الصفصاف (2) ضرر كامل، (74) ضرر جزئي، و(168) ضرر بسيط، بينما بلغت (3) حالات ضرر كامل في حي الرأس الأحمر، بالإضافة إلى (32) ضرر جزئي و(54) ضرر بسيط.
وفي حي السميرية كان (2) ضرر كامل، (20) ضرر جزئي، و(20) ضرر بسيط، فيما لم يُسجّل ضرر كامل في حي المنشيّة، في حين سُجّل (5) ضرر جزئي، و(52) ضرر بسيط. وفي حي الصحون (10) ضرر كامل، (13) ضرر جزئي، و(50) ضرر بسيط.
ويُستثنى من هذه الأحياء مسح حي جبل الحليب نظراً لتعثّرنا في الحصول عليه, كما لم تقُم "الأونروا" أو أي جمعية بعمل مسح لأحياء طيطبا وعكبرة وعرب زبيد (هي اللجان التي اعتصمت مُسبقاً كما ذكرنا للمطالبة بالإسراع بدفع التعويضات برغم أنها خارج المناطق المُتضررة بمعارك الطيرة).
أموال للتفاوض والقتال لا للتعويضات
يتخذ الأمن الوطني له عددا من النقاط العسكرية في حي الطيرة, بينما تعجز القوة المشتركة عن الانتشار بحريّتها لغياب قرار الإجماع السياسي، الأمر الذي أبعدها عن القدرة على الحسم, كما تنشط حركة استئجار منازل أهالي الحي المنكوب والأحياء الأخرى على غرار عرض "سفارة دولة فلسطين" استئجار عدد من المنازل، ومنها وكيل منزل عائلة زيدان الذي أكّد لنا عرض استئجار المنزل الأرضي، فيما نفت عائلة خربيطي أنباء سابقة عن استئجار حصل، مُوضحةً أنّه كان مُجرد عرض من حركة "فتح" والعائلة رفضت آنذاك، في الوقت الذي نفى قائد الأمن الوطني في منطقة صيدا، أبو أشرف العرموشي، ما يتعلق بأية مشاريع من هذا القبيل.
في غضون ذلك، تضخ السفارة مبالغ تُمكّنها من القيام بالتفاوض مع المجموعات أو شراء أثقل أنواع الأسلحة لخوض المعارك وتستأجر منازل لتحويلها إلى مراكز عسكرية, في حين أثبتت تحقيقات الأمن الوطني أنّ فصائل إسلاميّة أيضاً تُساعد المجموعات إمّا بالتذخير أو الحماية، رغم وجود تلك الفصائل في القوة المشتركة. ورغم ضخامة وتوافر كل تلك الأموال للحرب أو للتفاوض، تقتصر تبرعاتها للأهالي المُتضررين على مبلغ (200) دولار كما علمنا من أهالي حي الطيرة، علماً بأنّ الكثير من المنازل تم استخدامها كمتاريس عسكرية أو هُدِمت جدرانها قصداً لتكون ممرات آمنة على غرار منزل سعيد اليوسف.