الولايات المتحدة - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
رنيم أوطة باشي
تغيير الصورة النمطية، في مجتمع مشبع بالتصورات المسبقة عن كل ما هو عربي ومسلم، كالمجتمع الأمريكي، يحتاج إلى مجهود استثنائي، وعزيمة ممزوجة بإرادة صلبة، يعتبر التغلّب عليها نجاجاً بحدّ ذاته، لكن الفلسطينيّة "وسن فيّاض أبوبكر" إلى جانب كسر النمطية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين، حققت نجاحات وتفوّق على مستوى المجتمع الأمريكي ككل، في مجالات انسانيّة وعلميّة.
وسن فيّاض أبو بكر ابنة طولكرم التي تشبه مدينتها بالعطاء والخصوبة، المدافعة عن حقوق الإنسان واللاجئين والحائزة على جائزة "وجوه الكريسمس" للعام 2016، تعيش في ولاية "تكساس" الأمريكيّة مع زوجها وأطفالها الثلاثة، تشغل حاليّاً منصب عضو في منظمة العدالة الوطنيّة المسؤولة عن قضايا الهجرة واللاجئين، تروي لـ"بوّابة اللاجئين الفلسطينيين" قصّة نجاحها التي وصل صدّاها إلى مختلف العالم.
كان لعائلة وسن تأثير كبير في تكّوين شخصيتها النضاليّة. ولدت وسن في العام 1981 لأسرة مثقّفة مناضلة، ووالد ناشط في حقّوق الإنسان، فضلاً عن مهنته كطبيب أسنان، ورغم ويلات الاحتلال التي عايشتها ضدّ أبناء شعبها الفلسطينيّ، كانت من الأوائل في تقديم المساعدة للمراكز الطبيّة، فسخّرت لهذا الغرض، كلّ ماتعلمته في اختصاصها، كتقنيّة مخبريّة في إسعاف ومداواة الجرحى خلال فترة تدريبها في طولكرم.
انتقلت وسن، للعيش في أمريكا بعد أن تزوجت لتبدأ رحلة نشر رسالة المحبّة والسلام التي أخذتها على عاتقها منذ أن كانت في فلسطين المحتلة، تتحدث وسن عن بداياتها في العمل الإنساني وتقول: "تعليميّ كان أكبر سلاح استعملته في المستقبل، و من خلال دعمّ زوجي ومساندته، التحقت بالمنظمات التي تسمح لأفرادها بالتحدث والتعبير عن آرائهم، ومن خلالها، نرتبط مع عموم الجاليات العربيّة و المسلمة، و مجموعات طلابيّة ومثقفة، لنشر الوعي بما يتعلق بحقوقنا وواجباتنا."
أمّا عن اختيارها ضمن أفضل 18 شخصيّة في "وجوه الكريسمس"، تحدثت وسن لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن مراحل التطوّر والتقدّم المهني التي حققتها قبل أنّ يتمّ انتقائها لتكون أحد هذه الوجوه.
وفي عادة سنوية في الولايات المتحدة، يتم اختيار أبرز الأعضاء من كلّ جالية في الولايات المتحدّة للترشح، فكانت وسن حينها قد نالت عضويّة في جمعيّة"الأصدقاء الأمريكيين" بترشيح من المجتمع، وممثلة عن الجاليّة العربيّة المسلمة في المحاضرات والمقابلات الصحفيّة، و كذلك في مؤتمرات حوار الأديان.
لقاءاتها مع مختلف الجاليات، جعلها حلقة وصل بين مختلف الأديان، حيث أنّ التنسيق والعمل فيما بينهم، يدلّ على مقدار قوّة الترابط، و رغم الاختلاف كانوا يداً واحدة في مختلف الظروف.
برز دور وسن، أكثر أثناء توافد اللاجئين السوريين إلى أمريكا، فكانت من السبّاقين بالتعاون مع الجاليات الأخرى، في إنشاء حملات التبرع وإرسال المساعدات الطبيّة والملابس، للدول التي كانت تستقبل اللاجئين السوريين، وكانت صوت الوافدين الجدد للعديد من المنظمات التي تعنى بحماية اللاجئين.
لتأتي الجائزة استحقاقّاً لكل أعمال وسن التي تنمّ عن شخصيّة قويّة، ودليلاً على صلابة المرأة الفلسطينيّة في جميع الأدوار والمواقف.
بجانب هذه النجاحات، عانت ابنة طولكرم من مضايقات عديدة كونها مسلمة محجبة، في مجتمع غربيّ لا يعرف عنّ الديانة الإسلاميّة سوى القشور، ولكن الصورة الناجحة التي قدمتها كانت سبيلاً لكسر جميع تلك العوائق، فتقول: "إحساسي أني مختلفة وغريبة بدء منذ أنّ وصلت، ولم اسمح له بتشكيل عائق أمام طموحي، و لا أنكر شعوري بالإحباط في الكثير من الأوقات، ولكن دعمّ زوجي وعائلتي جعلني أقوى تجاه المضايقات، لم أرد يوماً على الإساءات الموجهة بنفس الطريقة، بل كانت الدبلوماسيّة والطرق السلميّة سلاحي الأقوى في صدّ كل من يتهمني بما ليس موجود".
وبعد استلام الجائزة التي جاءت كردّ موجع، على من انتقد مظهر وسن الإسلامي، أصبحت من أوائل المدعوين إلى المشاركة بالندوات والمحاضرات المختلفة.
الإيجابيّة وحب الخير للجميع، جعلا من وسن مُحاضرة متحدّثة في مؤتمر كالفورنيا الذي أقامته منظمات عدّة، كخبيرة في شؤون المسلمين، دورها الأساسي فتح الحوارات وبناء جسور المحبة والسلام بين الجميع دون تمييز أو تفرقة.
وجهت وسن رسالة إلى العالم عبر "بوّابة اللاجئين الفلسطينيين"، قالت فيها "الوضع في فلسطين ليس إلّا نتيجة محاولات فاشلة لإلغاء الوجود الفلسطينيّ، ومن المستحيل على الإنسان التغاضي عن شيء يحبّه، فلسطين جزء من وجودنا، الشعوب هي التي تغير مسار العالم وفي عصرنا أصبح العالم واع ومدرك للأحداث التي تجري حوله، واجبنا تنميّة هذا الوعي لنشر الرسالة الإنسانيّة أكثر من أي شئ آخر".