سوريا - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
الكاتب علي بدوان
مخيم جرمانا واحدٌ من المخيماتِ الفلسطينيةِ القريبةِ من دمشق، حيث مازال سكانه ومواطنيه داخل حدودهِ، بالرغمِ من زنار التوتر المُحيط به، وسقوط القذائف عليه، بين الحين والآخر، وكان أخرها سقوط بعض قذائف الهاونات على المخيم، أواخر شهر شباط/فبراير 2018 المنصرم، وقد تسببت بقضاء الشاب الفلسطيني زهير برو، والفتى عبد الغفور مأمون حسين، وإصابةِ أخرين بفعل الشظايا المُتناثرة، مما حدا بوكالة الأونروا لتعطيل دوام الطلبة والتلاميذ في مدارسها بالمخيم لعدة أيام حرصاً على سلامتهم.
مخيم جرمانا للاجئين الفلسطينيين، يقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة دمشق، وعلى بُعدٍ يقاربُ نحو ثمانيةِ كيلومتراتٍ منها، وعلى الطريق المؤدي إلى مطار دمشق الدولي. تأسس عام 1948 فوق مساحةٍ من الأرض تَبلُغُ أقل من كيلو متر مربع واحد. تُشرِفُ عليه الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وفي ظلِ وجود وكالة الأونروا التي تؤدي خدماتها المُتعلقة بالإغاثة الإجتماعية والصحة والتعليم، حيث تنتشر مدارس الوكالة، ومراكزها، وهي : ستة مدارس تعمل بنظام الفترتين و مركز توزيع غذائي واحد و مركز صحي. اضافة لمركز التنمية الاجتماعية، والذي مازال يمارس أنشطته، من روضة وحضانة أطفال، وصف التنمية الفكرية، وجلسات النطق والدورات المهنية. إضافة للخدمات التي توفرها الدولة السورية للمجتمع ككل، والهيئة العامة للاجئين العرب الفلسطينيين في سوريا، ومقرها الموجود في المخيم، وعموم مؤسساتها الموجودة خارج المخيم والتي تُقَدّم الخدمات المُختلفة لعموم لاجئي فلسطين في سوريا.
وفي النصف الثاني من العام 1967، وَفَدَ إلى مخيم جرمانا أعداداً إضافية من اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من مرتفعات الجولان السوريةِ بعد إحتلالها من قبل العدو "الإسرائيلي". ومع مرور السنواتِ الطويلةِ، ومع التخطيط العمراني الجديد لمدينة دمشق ومرور (دوار المُتحلق الجنوبي) من وسط المخيم، تم نقلُ أجزاءاً منه لمنطقةٍ ثانيةٍ في ريف دمشق الجنوبي، ليصبح فيها هناك تجمعاً فلسطينياً جديداً أطلقَ عليه مُسمى (مخيم الحسينية) على إسم بلدة فلسطينية من قرى الغوارنه في شمال فلسطين المحتلة منذ العام 1948.
مخيم جرمانا، ومع بداية الأزمةِ السوريةِ، وقبل وصول الأعداد المتتاليةِ من المُهجّرين من مخيم اليرموك اليه، كان يَضُمُ كتلة سكانية تقارب عشرين ألف لاجىء فلسطيني غالبيتهم الساحقة من لاجئي العام 1948، من مناطق قرى وبلدات صفد وطبرية والحولة، ومايُعرف بغوارنة فلسطين، الذين يعودون لقرى الغور الخصيب الواقعة على مسار الحدود الفلسطينية السورية، والفلسطينية الأردنية وفق تقسيم الثنائي اللعين (سايكس بيكو) والتابعة لقضائي صفد وسهل الحولة. والغور هو المنطقة التي تنحدر إليها مياه الجبال الشمالية ولاسيما الجليل الشرقيّ، وتمدّه بمياه عذبة، ويُولَد منه نهر الأردن، وبحيرة طبرية. وأهم ما في الغور الفلسطيني هو تلك المسمّاة لدى المزارعين بالعقد الشتوي، حيث إنه ينتج المحاصيل الربيعية والصيفية قبل أوانها بسبب حرارة الغور.
وعليه، يعود مواطني مخيم جرمانا في أصولهم إلى القرى التالية في غور فلسطين ومنطقة صفد (الدواره، الخصاص، الزوق الفوقاني، الزوق التحتاني، الصالحية، الخالصة، القيطية، الحسينية، إبل القمح، بويزيه، بيسمون، تليل، جليبينة، الحقاب، خان دوير، خربة السمان، عين زاغة، درباشية، دردارة، دريجات، دير ميماس، الحورة، زحلق، سيلان، صلحا، قيطية، لزازة، المفتخرة، المداحل، الملاحة، منصورة الخيط، منصورة الحولة، الناعمة، النبي يوشع، هراوي، ويسية، يردا. عرب الحمدون، عرب الدكة، جسر المجامع، عرب زبيد، ووادي اللوز، كراد البقارة، كراد الغنامة ...).
وفي هذا الصدد، فإن مُعظم غوارنة فلسطين لجؤا إلى سوريا ولبنان عام النكبة، وبنسبة أقل إلى الأردن، وكانت هناك مخيمات وتجمعات فلسطينية بأكملها مُعظم سكانها غوارنة مثل مخيمي تل الزعتر والنبطية في لبنان، ومخيمي جرمانا وخان دنون بسوريا، وهم من أكثر الفئات والقطاعات الفلسطينية التي إنغمست بالقواعد الفدائية وببنية المقاومة الفلسطينية منذ العام 1965، ومنهم كانت ملحمة وشهداء مخيم تل الزعتر عام 1976 الذي إجتاحته قوى اليمين اللبنانية سنتذاك في منطقة بيروت الشرقية، وكذلك مخيم النبطية جنوب لبنان والذي دمرته الطائرات الحربية الصهيونية عن بكرة أبيه عام 1974.
مخيم جرمانا، مخيم الكبرياء والصمود، تنشط وسط مُجتمعهِ الفلسطيني جميع القوى والفصائل الفلسطينية منذ بدايات العمل الفلسطيني عام 1965 وحتى الآن، تلك القوى والفصائل التي تحتفظ بمقراتٍ وأنديةٍ ومراكز للنشاط الإجتماعي والثقافي والتعبوي في المخيم، وقد قَدَّمَ المخيم الأعداد الكبيرةِ من أبنائه في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وفي مختلف مراحل عملها في عموم الساحات التي تواجدت فوق أرضها قوات الفدائيين الفلسطينيين خصوصاً في المرحلتين الأردنية واللبنانية من العمل العسكري الفلسطيني، ومن بينها إجتياح لبنان وحصار بيروت صيف العام 1982.
مخيم جرمانا أصبَحَ في مسارات الأزمةِ السوريةِ الحضن الدافىء لأعدادٍ كبيرةٍ من مهجري مخيم اليرموك، ومخيم الحسينية (قبل عودة الناس إلى المخيم الأخير). وقد تضاعفت أعداد القاطنين به، ولم تبدأ بالتراجع إلاّ بعد عودة الجزء الأكبر من أبناء ومواطني مخيم الحسينية في العام 2016 الى الحسينية.
لقد أدّى التضخم السكاني للمخيم بعد إستيعابه لأعدادٍ كبيرةٍ من مهجّري مخيم اليرموك وغيره، مع بقاءِ رقعتهِ وعمرانهِ على حدودهِ القديمةِ، لولادةِ المزيد من المصاعب والمشاكل الحياتية في مجتمع المخيم من كافة النواحي المتعلقةِ بحياة الناس، وبالمتطلبات الخدمية التي يحتاجها، وزاد عليها إرتفاع نسبة البطالة بشكلٍ عام، وهو ما زاد أيضاً من حالاتِ الفقر والفاقة والعوز.
إنَّ مفاعيل الأزمةِ السوريةِ، دفعت لتوالد أزماتٍ إضافيةٍ، في جسمِ مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، بما في ذلك مخيم جرمانا، حيث ظهور حالاتٍ من ظاهرة التفكك الأسري، وتراجع مستويات التعليم من حيث مُخرجاته قياساً للمراحل الماضية التي سبقت الأزمةِ السوريةِ، وتزايد عمالة الأطفال، والأهم من كل ذلك إكتشافِ حالاتٍ من تناول المخدرات لدى قطاعات الفتيان والشبان، حيث لاتوجد معطيات رقمية مُحددة بشأنها، لكن الشكاوى المُتكررة من أهالي المخيم تتكرر بشأن وجود تلك الظاهرة. والكارثة هنا أن القوى الفلسطينية، بمجملها وبكافةِ فصائلها، مقصرة جداً في هذا المجال، فلم تُعطِ إهتمامها وإنتباهها المُفترض، وبالدرجةِ المطلوبةِ لمعالجة تلك الظواهر، من أجل الحد منها، ومكافحتها، وحماية وصون المجتمع المحلي في مخيم جرمانا.
ويُمكن تلخيص المشاكل العامة التي يُعانيها مواطني مخيم جرمانا من لاجئي فلسطين بالعناوين التالية : الحاجة الماسة لتأمين مساكن جديدة خارج منطقة المخيم في ظل الإزدحام والإكتظاظ السكاني، وضرورة صيانة المنازل القائمة. وجود معدلات عالية من البطالة وعمالة الأطفال. تراجع مستويات التعليم قياساً للمرحلة الماضية التي سبقت اندلاع الأزمة السورية. استمرار وجود ظاهرة زواج الأقارب (رغم تراجعها النسبي) وماتؤدي به من ظاهرة الأمراض الوراثية كمرض التلاسيميا والسكر. انتشار الزواج والطلاق المُبكرين. إنتشار بعض الآفات بشكلٍ مقلق وملفت للإنتباه عند الفتيان وأجيال الشباب الصاعدة كالتدخين، وحتى تعاطي المخدرات. تواضع جهود التوعية المبذولة من قبل المجتمع المحلي وعموم القوى والفصائل بالرغم من وجودها وانتشارها الجيد في مجتمع المخيم، وحتى وكالة الأونروا، في معالجة الظواهر السلبية التي تم ذكرها أعلاه.