سوريا- بوابة اللاجئين الفلسطينيين
الوليد يحيى
عيد الأمّ في كل عام، كان يُضفي على مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وعموم مخيّمات سوريا، أجواء عيد حقيقيّة بكامل طقوسها وبهجتها. فقبل اجتماع الأبناء في المنازل مع أمهاتهم، كان يلتمّ اللجوء برمّته في الشوارع والأسواق، ويغدو الازدحام المُزعج في اعتياديّاته، حالة حميميّة تجمع أهالي المخيّم، للتزاحم على شراء مستلزمات الاحتفاء بالأم.
كان ذلك قبل أن تحلّ الحرب على الناس، و تفقد المنازل أهلها، والشوارع منازلها، ويغيب الأبناء بين شهيد ومهجّر ومُعتقل، أمّا الأمهّات فلم يعد لهنّ حال بعد كلّ هذا، فكلّ ما ولدّته الحرب قد طالها، الثكل والتهجير، الترمّل والتيتّم، الاعتقال والاستشهاد.
لم يعد عيد الأمّ منذ سبع سنوات، يطلّ على مخيّمات سوريا وأهلها كعيدٍ حقيقيّ، بل أصبح يوماً ينتظر الجميع انقضاءه.
مناسبةٌ للتحرّق بمفردات ذكريات صار من البعيد تكرارها، و التلوّع على حال أمهّات تكويهنّ الذاكرة، وهنّ قابعات في مآوي النزوح، ناقصات إبناً أو زوج، كاملات همّة وإصرار على الاستمرار والمواجهة والتمسّك بالحياة رغم مرارة النكبات.
يمر يوم الأم ومئات الأمهّات اللاجئات في سوريا قد فقدن أحد أبنائهنّ بسبب الحرب ، منهنّ من رأين صورأبنائهنّ بين ضحايا التعذيب التي تسربت من سجون النظام السوري، وأخريات تسلمّنَ بطاقات الهويّة الخاصة بإبن أو زوج من الجهات القاتلة.
أمهّات أضحين شهيدات ومعتقلات، 465 إمرأة لاجئة قضت جرّاء الحرب، نسبة كبيرة منهنّ أمّهات أخر ما فعلنه، هواحتضان أبنائهنّ قبل نزول القذيفة، بعضهنّ قضين جوعاً في حصار مخيّم اليرموك، فاللقمة وقتّ الشحّ والقلّة إلى فم الإبن أولى، كما علمتنا الأمّ المحاصرة في ذلك المخيّم المنكوب.
آلاف الأمّهات، فقدن الأمل بلمّ شملهنّ مجدداً مع أبنائهنّ، الذين قذفتهم الحرب والمُلاحقة في أصقاع الأرض، وحالت نُظم وقوانين تحرم اللاجئين الفلسطينيين حق الاجتماع والتنقل والإقامة، دون التمام شمل عائلات، لم يعد يولّد "يوم الأم" في وجدانها سوى التندّر والحسرة والألم.
حتّى الحاجة إلى زيارة قبر الأمّ المتوفيّة صار حلماً بعيد المنال للاجئين في هذا اليوم، ما دفع لاجئات ولاجئين للصراخ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في وجه السياسيات والمسافات والعالم، بل وحتّى في وجه يوم الأمّ ومقرريه، لشدّة وقعه في تحوّله هذا من عيد مكتمل ببهجته وطقوسه الحميمية الدافئة، الى يوم للحسرة والعبرات.