مقال: علي بدوان
مازالت نيران الأزمة الداخلية السورية تلقي بظلالها على عموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، في مختلف المناطق والمخيمات والتجمعات، كان منها مخيم سبينة الواقع في ريف دمشق الجنوبي، والذي شَهِدَ تطوراتٍ درماتيكيةً قاسيةً في الفتراتِ الأولى لاندلاعِ الأزمةِ الداخليةِ السوريةِ، وصولاً ليوم الثامن عشر من آذار/مارس من العام 2013 حين وقعت عملية التهجير الكاملة لمُعظم سكانه ومواطنيه من لاجئي فلسطين في سوريا، بما في ذلك القسم الثاني من المخيم الذي يَضُمُ غالبيةً سكانيةً من مواطني الجولان السوري المحتل (من الإخوةِ النازحين).
مخيم سبينه، هو المخيم الفلسطيني الثالث في سوريا، الذي تم تهجير كامل سكانه على قوس واسع من محيط مدينة دمشق وريفها، وصولاً إلى لبنان وبلاد الهجرات الخارجية، وقد سَبَقَهُ في التهجير مخيم درعا جنوب سوريا، ومخيم اليرموك، وتلاه مخيمي الحسينية في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، وحندرات في ريف حلب الشمالي.
واقع التهجير لمواطني وسكان مخيم سبينة، استمر عملياً حتى أواخر العام 2017، حين تم فتح الطريق أمام عودة مواطنية وسكانه على شكلٍ دفعاتٍ مُتتاليةٍ، مازالت تتوافد حتى هذه الأيام للعودة إلى المخيم، مع محاولةِ إعادةِ ترميم المنازل التي تم تدمير عددٍ كبيرٍ منها بشكلٍ جزئي، وقد دُمِّرَ بعضها بشكلٍ تام، نتيجة الأحداث التي وقعت خلال الفترةِ المُمتدة من بدايات العام 2013 وحتى منتصف العام 2016.
مخيم سبينة يقع على مسافة تقارب أربعة عشر كيلومتراً إلى الجنوب من العاصمة دمشق, على الطريق القديم بين درعا ودمشق، وقد تم تشييّده عام نكبة فلسطين 1948 على مساحة تُقَدّر بنحو ثلاثة كيلومترات مربعة، وتم توسيع مساحته بعد العام 1967 إثر قدوم موجات جديدة إليه من نازحي الجولان المحتل من سوريين وفلسطينيين كانوا يقطنون في محافظة القنيطرة والجولان.
مخيم سبينة الفلسطيني والمُعتمد من قبل وكالة الأونروا، هاجرت إليه المئات من العائلات الفلسطينية التي كانت تُقيم شمال فلسطين المحتلة عام النكبة 1948، وتحديداً من قرى وبلدات قضاء طبرية وقضاء صفد بشكلٍ رئيسي مثل قرى وبلدات : الخالصة، الصالحية، الملاحة، الجاحولة، الزوية، الزوق الفوقا، الزوق التحتا، سرجونيا، وبعض القرى المجاورة أو المطلة على طبرية : كفر سبت، الشجرة، شعارة، معذر، ديشوم، كراد الغنامة، كراد البقارة، البطيحة، الحمة، خيام وليد، عرب القديرية (من بلدة النويرية)، عرب الشمالنة، عرب الرقيبات، عرب العتامنة، منصورة الخيط، يردة، السمرة، النقيب العربية، التوافيق، كفرحارب، جسر المجامع، خان الدوير، مداحل المنشية، دفنة، حقاب، الدوارة، بيسمون، العلمانية، تليل، الدرباسية ...
كان يَقطُن المخيم نحو خمسة وعشرين ألف لاجىء فلسطيني قبل تهجير سكانه بداية العام 2013، وتشرف عليه وكالة الأونروا، التي تُقَدّم لجميع سكان المخيم خدمات الإغاثة الإجتماعية والصحة والتعليم عبر مدراس الوكالة المنتشرة في المخيم بواقع ست مدارس تعمل بنظام الدوامين، وعبر مختلف برامجها، ومنها برامج شبكة الأمان الإجتماعي، وبرامج الشباب، مع وجود مركز توزيع غذائي واحد، ومركز صحي واحد.
المشاكل الحالية
العودة التدريجية الجاريةِ الآن لمواطني مخيم سبينة من لاجئي فلسطين إلى المخيم تتم بخطواتٍ جيدة، بالرغم من وجود معاناةٍ كبيرةٍ، لها علاقة بالكارثة التي حلّت بالمخيم خلال السنواتِ الماضيةِ من حيث الأضرار البالغةِ التي لحقت بمعظم المنازل، والمرافق الحيوية، والتي تعرضت للتدميرِ والسرقةِ والنهب في إطار مابات يُعرَف في سوريا بظاهرة "التعفيش"، علماً أنَّ أوضاع الناس الإقتصادية كانت بالأساس ـــــ وقبل عملية التهجير ـــــ تقع تحت خط الفقر.
لقد زاد من الواقع الصعب لحالة الناس في مخيم سبينة، منعكسات الأزمة الداخلية السورية على اقع المخيم والناس، حيث وجود نسبة من المفقودين من الرجال والشباب، ووجود أعدادٍ متزايدة من الشهداء، الذين تركوا خلفهم أعداداً كبيرة من اليتامى، ومن العائلات التي فَقَدَت المعيل. عدا عن وجود ظواهر سلبية مختلفة في واقع الحياةِ الإجتماعية في المخيم قبل الأزمة، ومنها مشكلة الطلاق، والزواج المُبِكّر، وزواج الأقارب ومايجره من مشاكل صحية وراثية، والضغط السكاني، ووجود نسبةٍ غير بسيطة من من التسرب المدرسي، وازدياد حالات تعاطي المخدرات من أبناء الجيل الشاب.
ويبقى القول في هذا الإطار، إنَّ العودة الكاملة لأبناء المخيم والمهجرين منه من أماكن تهجيرهم الى المخيم، تنتظر إنجاز العديد من الأعمال المُتعلقةِ بالبنيةِ التحتيةِ التي جرى تدميرها، ومنها شبكة التيار الكهربائي، وشبكة المياه وشؤون الصحة العامة، والتي تبقى واحدة من أكبر المشاكل التي يواجهها مواطنو مخيم سبينة، فنظام الصرف الصحي بحاجة إلى التوسيع وإلى رفع سويته من أجل التكيّف مع النمو المتزايد لعدد السكان في المخيم، حيث كان المخيم قبل الأزمة يفتقر إلى شبكة أنابيب مياه ملائمة، الأمر الذي اضطر معه سكانه ومواطنوه إلى الإعتماد على الآبار المحلية كمصدر رئيسي للمياه. وقد تعرضت الآبار للجفاف بسبب الظروف شبه الجافة التي سادت في السنوات الأخيرة.
إنَّ وكالة الأونروا تقوم الآن بتزويد المخيم بالمياه العذبة بواسطة صهاريج خاصة كعملية إسعافية مؤقتة في ظل عودة الناس وبشكل متتابع للمخيم، وتعمل على إعادة تنشيط وتفعيل مراكزها بعد إعادة فتح مدارسها، وبعد عودة البلدية لافتتاح مقرها وأخذ دورها، وذلك في سياق إعادة ترتيب وبناء البنية التحتية الخدمية، وهي مسائل تحتاج لوقتٍ إضافي لإنجازها وبالتالي في العودة الكاملة لأبناء المخيم.
الدور الوطني لمخيم سبينة
مخيم سبينة كغيره من المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، كان ومازال حاملاً لأيقونة الكفاح الأسطوري للشعب الفلسطيني، منتقلاً بها من جيل ماقبل النكبة لأجيال مابعد النكبة وهي تتبادلها وتورثها من جيل لجيل.
مخيم سبينة، راية وعلم كبير في مسار ومسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، مخيم الشهداء، الذي أنجب طوابير من الشباب الفلسطيني الملتزم، الذي قدم روحه ودمه بسخاء منقطع النظير على مذبح ومحراب العمل الوطني الفلسطيني، في بوصلة لم تَحِد أبداً عن الطريق لفلسطين.
فعلى صعيد العمل الوطني الفلسطيني، كان ومازال لمخيم سبينه الباع الطويل في مسيرة العمل الوطني التحرري للثورة الفلسطينية المعاصرة، خصوصاً إبان وجودها العسكري الكبير في الساحة الجنوبية اللبنانية وعلى حدود هضبة الجولان باتجاه فلسطين المحتلة قبل العام 1982.
التحق المئات من أبناء المخيم في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة، وكان له نصيب مثل بقية المخيمات من الشهداء من أجل الدفاع عن الثورة الفلسطينية خارج الوطن، وهناك بعض العائلات قدمت أكثر من أربعة شهداء في العائلة الواحدة، مثلاً عائلة (المِعّجِل) التي قدمت أربعة إخوة شهداء مابين أعوام (1966 ــــــ 1970) وهي سنوات النهوض الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة. وقدمت عائلة (بيت نايف) ثلاثة إخوة شهداء. وعائلة (الشرقي) قدمت الوالد شهيداً في عملية فدائية لحركة فتح وسط هضبة الجولان المحتل عام 1971، والإبن الذي أُستشهد في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء إقتحام مستعمرة (كفار جلعادي) شمال فلسطين المحتلة عام 1974، إضافة لإثنين آخرين من أبنائها.... وهكذا.
مخيم سبينة، وبرغم محنته، فهو الغائب عند البعض من القوى والفصائل التي تتقاعس عن القيام بدورها تجاه المخيم ومواطنيه، لكنه الحاضر في الدور الوطني، حيث حافظ ومازال يحافظ على الهوية الوطنية التي تُميّزه. فهو جزءٌ من الوعاء الحاضن للحركة الوطنية الفلسطينية في الشتات. فجميع قوى وفصائل الشعب الفلسطيني تنشط وسط هذا المخيم، فضلاً عن النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية. ومازال مواطنوه يحافظون على الموروث الشفهي وذاكرة الوطن الفلسطيني في صفوف الأجيال التي نمت ونشأت خارج فلسطين بعد نكبة 1948، وهي تحمل ديمومة الحلم المشروع في العودة إلى أرض الوطن، والحفاظ على الكينونة الخاصة التي يميزها المخيم الفلسطيني بما يعنيه من ترميز لحق العودة.