تقرير زينب زيّون
يقول غسان كنفاني "إنّ الإنسان هو في نهاية الأمر قضية، إذا كنّا مدافعين فاشلين عن القضية.. فالأجدر بنا أن نغيّر المدافعين..لا أن نغيّر القضية".
سبعون عاماً من اللجوء، وما زال الفلسطينيون يتذكّرون أدقّ تفاصيل ما جرى، محاولين استيعاب ذلك. تركوا أرضهم وديارهم، مرغمين، ولم يعلموا أنّ شتاتهم سيستغرق كل هذه الأعوام. آمنة عبد الحق، البالغة من العمر مائة وعشر سنوات، عاشت النكبة منذ بداياتها، لكنّها لم تتوقع أنّها ستضطر لترك بلادها، وأن تتذوّق مرارة اللجوء وقسوة الأيام في الشتات.
"كنّا ملّاكين يا بنتي"
آمنة التي ولدت في بلدة دير الأسد، خرجت من فلسطين، عام 1948، مع زوجها وابنتها التي توفيت في لبنان. تقول في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "كنّا ملّاكين يا بنتي"، مشيرة إلى أنّ زوجها كان يعمل فلاحاً في أرضه.
هربت آمنة، كسواها من أهالي المنطقة، بعد قدوم اليهود غير العرب، عليهم. وتروي آمنة أحداث ما جرى معها، قائلةً: "كانوا يذبحون الناس في المناطق الفلسطينية المجاورة لدير الأسد، هربنا، تاركين ديارنا، وأرضنا وملابسنا وزيتوننا، ذبح الصهاينة أربعة أشخاص، اثنين من المسيحيين وآخريْن من المسلمين، فقررنا ترك فلسطين متّجهين، سيراً على الأقدام، نحو بلدة رميش اللبنانية".
"كنّا ننام تحت الشجر واضعين أحذيتنا تحت رؤوسنا"
"وعند وصولنا إلى البلدة التي تقع جنوبي لبنان، بدأت قصة لجوئنا"، عبارة قالتها آمنة واصفةً صعوبة اللجوء، ففي ذلك الوقت، اضطرت العائلات للنوم تحت الشجر، واضعة أحذيتها تحت رؤوسها، أكل النمل أجسادهم، وظلّوا طيلة الليل على تلك الحالة، ولم يجدوا شيئاً ما يأكلونه. وعند الصباح، وصل إلى مكان مكوثهم، قطار أقلّهم إلى مدينة حلب السورية، وعندما وصلوا إلى "بركس" في منطقة النيرب، اتخذت كل عائلة منهم غرفة صغيرة في البركسات التي كانت مخصصة لإيوائهم.
"بتذكّر موسم الحصاد وقطف الزيتون، بتذكّر بطولات الشباب المناضلين"
توقّفت آمنة عن سرد قصّة تهجيرهم، وارتسمت البسمة على شفتيها، وقالت: "بتذكّر خبز الطابون يا ستّي، وأرض فلسطين الخيّرة وكروم العنب وموسم الحصاد وقطف الزيتون، بتذكّر كيف كانت أكياس القمح والشعير تملأ أرجاء البيت عنّا، بتذكّر بيتنا الذي أجبرونا على تركه ووعدونا بالعودة القريبة إليه".
تروي آمنة العديد من القصص والبطولات للعديد من الشباب المناضلين أيام النكبة، والتي ماتزال راسخةً في ذاكرتها، تتذكّر كثيراً الأيام الماضية، وما حملته من أفراح وأتراح، ولطالما تسرد لأبنائها وأحفادها حكايا ووقائع عايشتها قبل خروجها من فلسطين.
صعاب اللجوء والشتات بين سوريا ولبنان
وعن مكوثهم في النيرب، عاودتُ وطرحتُ السؤال عليها مجدداً، حيث أشارت أنهم مكثوا سنة ونصف السنة، وبعد ذلك طلبت من زوجها المجيء إلى لبنان، وتحديداً إلى مخيّم عين الحلوة، حيث يقطن إخوتها.
ففي مخيّم عين الحلوة جنوبي لبنان، سكنت آمنة في خيمة، وكان الشادر يطير كلّما هبّت الرياح، فيسارع أفراد العائلة لجمع الحجارة وتثبيته، إلا أنّ جهودهم تفشل ويطير الشادر. وفي لبنان، عمل زوجها، الذي توفي إبان الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، إثر نوبة قلبية، فلّاحاً أجيراً، لقاء أجر مادي مقبول، تبلغ قيمته خمسة عشر قرشاً، واستطاعوا فيما بعد تحويل الخيمة التي كانت تتطاير أطرافها، إلى "خشّة" أي غرفة صغيرة من الحجر يُغطّى سقفها بالقش والقصب، كانت أوّل خشّة تُبنى في المخيّم، وبعد ذلك، أنجبت آمنة ولدين، واستطاعت العائلة بناء منزل متواضع داخل المخيّم.
"فلسطين ليست مجرّد قطعة أرض... إنّها قضية"
تقول الحاجة التي ذاقت مرارة الغربة: "بعد سبعين عاماً من اللجوء، مازال اللاجئ عاجز عن العودة إلى أحضان الوطن، نقف على الحدود اللبنانية- الفلسطينية، نرى ربوع فلسطين، ونسأل "لماذا نهجرها وهي بهذا الجمال؟، أشعر بغصّة في قلبي كلّما تذكّرت أن أرض فلسطين مغتصبة، فهي ليست مجرّد قطعة من الأرض... إنّها قضية".
وعن الشتات والغربة تقول "ليتنا استطعنا البقاء في فلسطين ولم نعش حياة الذل التي نعيشها اليوم في مخيّمات اللجوء، حيث لا حقوق نتمتّع بها ولا راحة بال"، خامتةً حديثها: "لن نرتاح طالما مازلنا نلقب بكلمة لاجئ".