مقال: عتاب الدقة
هو إذاً العام السبعون على مرور النكبة التي تجسدت معنى وشكلاً في نفوس أربعة أجيال فلسطينية ، عاشت وما تزال تعيش مفردات النكبة في تفاصيل حياتها و همومها وطموحاتها والإمكانيات المتاحة لها لتطوير فعلها العملي و الاجتماعي و النضالي ، وتصارع من أجل الوجود والعيش الكريم .
وفي استحضار الذكرى المشؤومة، قد يتساءل سائل من بين هؤلاء الفلسطينيين الذين يتجاوز عددهم اثني عشر مليوناً والمنتشرين في أصقاع العالم الواسع، لو لم تكن النكبة، فماذا يكون ؟
ربما وجد الفلسطيني الذي ما يزال مقيماً على أرضه المحتلة منذ عام ثمانية وأربعين إجابته بالقول : لو لم تكن النكبة لما كنا خاضعين لسلطة احتلال سلبت أراضينا وخيرات بلادنا وأسماء مدنها وقراها الأصلية، وبتنا نعيش فيها كمواطنين درجة ثانية نناضل من أجل الحفاظ على عروبتنا في وجه شبح التهويد الذي صار كائناً نراه ويرانا، نلمسه بمرارة في لافتات الشوارع والقوانين المفروضة علينا، وعلى تصاريح سفرنا ، وعلى فواتير الكهرباء والماء ومخالفات السير المكتوبة بالعبرية ، ولما كان قطف الزعتر والعكوب من جبالنا جريمة نُحاسب عليها، ولما كان آذان مساجدنا مادة يستحضرها المحتلون في جلسات الكنيست ليطفئوا ذكره.
وبنظرة واحدة إلى إحدى المنشآت والبيوت التي استحالت عقارات في ملفات أملاك الغائبين، يستذكر هذا الفلسطيني شركاءه الحقيقين في الوطن، هؤلاء المغيبين في مخيمات الشتات، يقول: لو لم تكن النكبة لكانوا هم شركائي في جنسية بلادي وسمائها ومائها وحجرها، لما عشت وآبائي طيلة سبعين عاماً جيراناً لمن قدموا من شتى بقاع الأرض، ليقيموا كيانهم ويفرضوا قوانينهم التي منحتهم حقوقاً كاملة ولم تمنحنا، وفوقتّهم علينا دون وجه حق ، لما كنا أقلية في انتخابات نيابية لبلاد ليست بلادنا ، ولكنها في بلادنا !!
أما الفلسطيني في القدس المحتلة، فيلهج لسانه بالجواب على عدم كينونة النكبة بالقول : " لو لم تكن النكبة عام 48 لما صارت النكسة عام 67 ، ولما صرنا نجاهد بعد سبعين عاماً لنلفظ سفارة أمريكية ستقام باسم الاحتلال في مدينتنا، لما تلوثت حواري البلدة القديمة بالأسماء العبرية، وبقينا نتوارث البيوت والممتلكات أباً عن جد ونبني في أرضنا، دون أن تعكر صفو حياتنا بلدية الاحتلال والجمعيات الاستيطانية، بسندات مزورة تدعي أن الممتلكات ليهود منذ ما قبل النكبة، لما عشنا لحظة أسى على بيت يهدم بذريعة عدم الترخيص ولا منازل تصادر بحجة عدم ثبوث ملكيتها لأصحابها الحقيقين، ولما استحالت شوارع قدسنا و ساحات المسجد الأقصى مسرحاً لعربدات المتطرفين جداً من المستوطنين، ولكنا آمنين مطمئنين نستقبل حجاج المسجد الأقصى من كل بقاع الأرض، نورث البيت والدكان في السوق العتيق وأرض الزيتون على أطراف المدينة لأبنائنا دون أدنى خشية من أن يُسلب كل هذا منا ، وأن نصبح غرباء على المدينة أو ربما خارجها ..
أما الفلسطيني في الضفة الغربية، فسرعان ما يقول لو لم تكن النكبة ، لما كانت "أوسلو" تلك الاتفاقية التي وقعت عام ثلاثة وتسعين وتحولنا مع توقيعها إلى مواطنين في "سلطة" ، على نحو ستة كيلومترات مربعة من مساحة فلسطين، لا هي تملك السلطة على الأرض ولا ردت إلينا جزءاً من كرامتنا المهدورة، التي كان فعل الانتفاضة ما قبل "أوسلو" يحيلها لعنة على الاحتلال، ولكن مع تحولنا إلى مواطنين في سلطة كبّلت الفعل المقاوم ومارست إشاعة الوضع الاقتصادي المتردي وبناء المؤسسات والوزارت من هبات الدول والمنظمات لا من مصادر دخل بلادنا التي لم يستطع اتفاق 93 تحصيلها ، بتنا نستجدي قوت يومنا ، صرنا موظفين في هذه المؤسسات الفقيرة أصلاً ، وصار تهديد إنهاء هذه المؤسسات والقضاء على "السلطة – مصدر رزقنا" يرفع في وجوهنا كحل وحيد إن نحن انتفضتنا لكرامتنا حين يقتحم جيش الاحتلال أحياءنا وشوارعنا، وحين يجر جنودُه شبابنا وأطفالنا ونساءنا ورجالنا إلى معتقلاته التي ضاهى ما فيها اليوم سبعة آلاف معتقل.
ويستعجب هذا الفلسطيني من الضفة الغربية كيف لهذه السلطة التي صرنا مواطنيها أن تنكل بشبابنا وتسحبهم إلى معتقلاتها الأمنية وتقيد عملهم النضالي وهي لا تستطيع أن ترفع صوتها في وجه أصغر جندي إسرائيلي إن أراد أن يغلق شارعاً أو يحاصر حياً!!،ويتساءل كيف لجذوة انتفاضة أن تشتعل ومياه التنسيق الأمني الآسنة بين "سلطتنا" والاحتلال تطفئ كل نار غضب تهب ضد الاحتلال بجنوده ومستوطنيه، وبكثير من الأسى يستذكر المستوطنات التي مزقت الضفة وأحالتها أجزاء مشتتة، ويستذكر اعتداءات مستوطنيها على الفلسطينيين، والشوارع الممنوع على الفلسطينيين تأهيليها لحسابات المستوطنين الأمنية ، والمياه الفلسطينية المحروم منها أيضاً لصالح المستوطنين ، وشبكات الكهرباء والري والاتصالات ...و الكثير الكثير مما يجعل الحياة جحيماً في أحضان سلطة لا تمارس سلطتها إلا على الفلسطينيين .
تلك السلطة التي تحرم أبناء قطاع غزة من خدماتها بسبب الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي ربما يقول عنه فلسطيني محاصر في قطاع غزة: " لو لم تكن النكبة لما كان الانقسام" و لما في هذه الافتراضية من عدم دقة في ساحة عربية مليئة بالتمزقات نتجاوزها لنأتي على القسم الثاني من إجابته بأن لو لم تكن النكبة لما كانت النكسة ولما كان هناك آلاف الشهداء في الاعتداءات الهمجية الثلاثة على قطاع غزة ولما كان الحصار ، ولما أغلقت المعابر في وجه نحو مليوني فلسطيني، ولكان لدينا ميناؤنا ومطارنا، ولما كان نحو 80 % من أهالي القطاع يعيشون على المعونات المقدمة من المنظمات الإغاثية، وأهالي الشهداء والأسرى يستجدون حقوقهم من سلطة لا تبالي بهم، ولما مات عشرات من أهلنا مرضاً على معبر بوابة مصرية، ولا نفد الدواء والطاقة من مستشفياتنا، ولما تصيّد جنود الاحتلال خيرة شبابنا على الحدود الشرقية للقطاع في مسيرات لم نجد منها بُداً لنصدح بحقوقنا، ولما كان هناك مخيمات للاجئين في غزة يعتمدون في جل معيشتهم وفي ظل نسب الفقر والبطالة المتصاعدة على ما تقدمه لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ، ولما كانت أصلاً هذه الوكالة التي نتمسك فيها اليوم بشكل مستميت حتى لا تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي الشاهد الأكبر على نكبتنا وحقنا في عُرف متداول لدى أغلب اللاجئين الفلسطينيين.
بذات الكلمات قد يجيب لاجئ فلسطيني من مخيمات الشتات في لبنان، ويقول لو لم تكن النكبة لكنا في أرضنا أصحاب البلاد، نقتات من خيرها دون الحاجة إلى وكالة ممولة أممياً، تسحب فوق رؤسنا سيف التهديدات بوقف خدماتها ومساعداتها بحجة "عدم التمويل" الذي بات يتطلب بعد سبعين عاماً من تمسكنا بحقنا في العودة إلى أراضينا أن نتنازل عن هذه الحق المعترف به دولياً ، ولما صارت هذه الوكالة سلاحاً تحارب به الدولُ المتحالفة مع الاحتلال جموع اللاجئين والفلسطينيين كي تجبرهم على الاستسلام لإقامة كيان يهودي عنصري على أرضهم وتنهي وجودهم كلاجئين لهم الحق القانوني والسياسي والاجتماعي في استعادة ما سلب منهم عام 48، بل والتعويض عن خسائرهم المادية والمعنوية.
لو لم تكن النكبة لما صرنا عبئاً على مجتمع سياسي عربي يلفظنا ويتحالف مع حلفاء عدونا لشيطنة مخيماتنا وإنهاء وجودها والتخلص منا حتى لو بقصف هذه المخيمات فوق رؤوس ساكنيها، وتهجيرنا منها إلى أبعد ما يكون جغرافياً عن فلسطين .
ربما بهذه الكلمات أيضاً، قد يجيب لاجئ فلسطيني من سوريا حطت به الرحال بعد سبعين عاماً على النكبة الأولى في خيمة للاجئين بصحراء مقفرة في شمال البلاد ، ينتظر مصيره المجهول مع عائلته بعد أن قُصف بيتُه في مخيمه بدمشق، حمل هذا اللاجئ بقايا حلمه في فلسطين صاعداً في حافلة تهجير لا تبتعد كثيراً في رمزها المعنوي عن قوافل التهجير الأولى التي صعد فيها جده عام 48 معتقداً أنها نكبة وتنتهي ، إلا أن الحقيقة المرة التي عاشها الأبناء والأحفاد من بعده أنها نكبة جرّت نكبات متتالية على الصعيد السياسي والوجودي الفلسطيني ، فمزّقت الممزق وشتتت المشتت، وولدت فصائل وكيانات سياسية لا حصر لها، كل يخدم مشروع مموله الاقليمي والدولي، تتنافس فيما بينها دون أن تقدم حلاً ناجعاً للقضية الفلسطينية التي ما زالت تنتظر معجزة إلهية يدرك جميع الفلسطينيين، رغم نكباتهم المختلفة ، أنها ستتجسد يوماً طالما هم حافظوا على حقوقهم من التبدد على الأقل في نفوسهم .
هو إذاً العام السبعون على مرور النكبة التي تجسدت معنى وشكلاً في نفوس أربعة أجيال فلسطينية ، عاشت وما تزال تعيش مفردات النكبة في تفاصيل حياتها و همومها وطموحاتها والإمكانيات المتاحة لها لتطوير فعلها العملي و الاجتماعي و النضالي ، وتصارع من أجل الوجود والعيش الكريم .
وفي استحضار الذكرى المشؤومة، قد يتساءل سائل من بين هؤلاء الفلسطينيين الذين يتجاوز عددهم اثني عشر مليوناً والمنتشرين في أصقاع العالم الواسع، لو لم تكن النكبة، فماذا يكون ؟
ربما وجد الفلسطيني الذي ما يزال مقيماً على أرضه المحتلة منذ عام ثمانية وأربعين إجابته بالقول : لو لم تكن النكبة لما كنا خاضعين لسلطة احتلال سلبت أراضينا وخيرات بلادنا وأسماء مدنها وقراها الأصلية، وبتنا نعيش فيها كمواطنين درجة ثانية نناضل من أجل الحفاظ على عروبتنا في وجه شبح التهويد الذي صار كائناً نراه ويرانا، نلمسه بمرارة في لافتات الشوارع والقوانين المفروضة علينا، وعلى تصاريح سفرنا ، وعلى فواتير الكهرباء والماء ومخالفات السير المكتوبة بالعبرية ، ولما كان قطف الزعتر والعكوب من جبالنا جريمة نُحاسب عليها، ولما كان آذان مساجدنا مادة يستحضرها المحتلون في جلسات الكنيست ليطفئوا ذكره.
وبنظرة واحدة إلى إحدى المنشآت والبيوت التي استحالت عقارات في ملفات أملاك الغائبين، يستذكر هذا الفلسطيني شركاءه الحقيقين في الوطن، هؤلاء المغيبين في مخيمات الشتات، يقول: لو لم تكن النكبة لكانوا هم شركائي في جنسية بلادي وسمائها ومائها وحجرها، لما عشت وآبائي طيلة سبعين عاماً جيراناً لمن قدموا من شتى بقاع الأرض، ليقيموا كيانهم ويفرضوا قوانينهم التي منحتهم حقوقاً كاملة ولم تمنحنا، وفوقتّهم علينا دون وجه حق ، لما كنا أقلية في انتخابات نيابية لبلاد ليست بلادنا ، ولكنها في بلادنا !!
أما الفلسطيني في القدس المحتلة، فيلهج لسانه بالجواب على عدم كينونة النكبة بالقول : " لو لم تكن النكبة عام 48 لما صارت النكسة عام 67 ، ولما صرنا نجاهد بعد سبعين عاماً لنلفظ سفارة أمريكية ستقام باسم الاحتلال في مدينتنا، لما تلوثت حواري البلدة القديمة بالأسماء العبرية، وبقينا نتوارث البيوت والممتلكات أباً عن جد ونبني في أرضنا، دون أن تعكر صفو حياتنا بلدية الاحتلال والجمعيات الاستيطانية، بسندات مزورة تدعي أن الممتلكات ليهود منذ ما قبل النكبة، لما عشنا لحظة أسى على بيت يهدم بذريعة عدم الترخيص ولا منازل تصادر بحجة عدم ثبوث ملكيتها لأصحابها الحقيقين، ولما استحالت شوارع قدسنا و ساحات المسجد الأقصى مسرحاً لعربدات المتطرفين جداً من المستوطنين، ولكنا آمنين مطمئنين نستقبل حجاج المسجد الأقصى من كل بقاع الأرض، نورث البيت والدكان في السوق العتيق وأرض الزيتون على أطراف المدينة لأبنائنا دون أدنى خشية من أن يُسلب كل هذا منا ، وأن نصبح غرباء على المدينة أو ربما خارجها ..
أما الفلسطيني في الضفة الغربية، فسرعان ما يقول لو لم تكن النكبة ، لما كانت "أوسلو" تلك الاتفاقية التي وقعت عام ثلاثة وتسعين وتحولنا مع توقيعها إلى مواطنين في "سلطة" ، على نحو ستة كيلومترات مربعة من مساحة فلسطين، لا هي تملك السلطة على الأرض ولا ردت إلينا جزءاً من كرامتنا المهدورة، التي كان فعل الانتفاضة ما قبل "أوسلو" يحيلها لعنة على الاحتلال، ولكن مع تحولنا إلى مواطنين في سلطة كبّلت الفعل المقاوم ومارست إشاعة الوضع الاقتصادي المتردي وبناء المؤسسات والوزارت من هبات الدول والمنظمات لا من مصادر دخل بلادنا التي لم يستطع اتفاق 93 تحصيلها ، بتنا نستجدي قوت يومنا ، صرنا موظفين في هذه المؤسسات الفقيرة أصلاً ، وصار تهديد إنهاء هذه المؤسسات والقضاء على "السلطة – مصدر رزقنا" يرفع في وجوهنا كحل وحيد إن نحن انتفضتنا لكرامتنا حين يقتحم جيش الاحتلال أحياءنا وشوارعنا، وحين يجر جنودُه شبابنا وأطفالنا ونساءنا ورجالنا إلى معتقلاته التي ضاهى ما فيها اليوم سبعة آلاف معتقل.
ويستعجب هذا الفلسطيني من الضفة الغربية كيف لهذه السلطة التي صرنا مواطنيها أن تنكل بشبابنا وتسحبهم إلى معتقلاتها الأمنية وتقيد عملهم النضالي وهي لا تستطيع أن ترفع صوتها في وجه أصغر جندي إسرائيلي إن أراد أن يغلق شارعاً أو يحاصر حياً!!،ويتساءل كيف لجذوة انتفاضة أن تشتعل ومياه التنسيق الأمني الآسنة بين "سلطتنا" والاحتلال تطفئ كل نار غضب تهب ضد الاحتلال بجنوده ومستوطنيه، وبكثير من الأسى يستذكر المستوطنات التي مزقت الضفة وأحالتها أجزاء مشتتة، ويستذكر اعتداءات مستوطنيها على الفلسطينيين، والشوارع الممنوع على الفلسطينيين تأهيليها لحسابات المستوطنين الأمنية ، والمياه الفلسطينية المحروم منها أيضاً لصالح المستوطنين ، وشبكات الكهرباء والري والاتصالات ...و الكثير الكثير مما يجعل الحياة جحيماً في أحضان سلطة لا تمارس سلطتها إلا على الفلسطينيين .
تلك السلطة التي تحرم أبناء قطاع غزة من خدماتها بسبب الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي ربما يقول عنه فلسطيني محاصر في قطاع غزة: " لو لم تكن النكبة لما كان الانقسام" و لما في هذه الافتراضية من عدم دقة في ساحة عربية مليئة بالتمزقات نتجاوزها لنأتي على القسم الثاني من إجابته بأن لو لم تكن النكبة لما كانت النكسة ولما كان هناك آلاف الشهداء في الاعتداءات الهمجية الثلاثة على قطاع غزة ولما كان الحصار ، ولما أغلقت المعابر في وجه نحو مليوني فلسطيني، ولكان لدينا ميناؤنا ومطارنا، ولما كان نحو 80 % من أهالي القطاع يعيشون على المعونات المقدمة من المنظمات الإغاثية، وأهالي الشهداء والأسرى يستجدون حقوقهم من سلطة لا تبالي بهم، ولما مات عشرات من أهلنا مرضاً على معبر بوابة مصرية، ولا نفد الدواء والطاقة من مستشفياتنا، ولما تصيّد جنود الاحتلال خيرة شبابنا على الحدود الشرقية للقطاع في مسيرات لم نجد منها بُداً لنصدح بحقوقنا، ولما كان هناك مخيمات للاجئين في غزة يعتمدون في جل معيشتهم وفي ظل نسب الفقر والبطالة المتصاعدة على ما تقدمه لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ، ولما كانت أصلاً هذه الوكالة التي نتمسك فيها اليوم بشكل مستميت حتى لا تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي الشاهد الأكبر على نكبتنا وحقنا في عُرف متداول لدى أغلب اللاجئين الفلسطينيين.
بذات الكلمات قد يجيب لاجئ فلسطيني من مخيمات الشتات في لبنان، ويقول لو لم تكن النكبة لكنا في أرضنا أصحاب البلاد، نقتات من خيرها دون الحاجة إلى وكالة ممولة أممياً، تسحب فوق رؤسنا سيف التهديدات بوقف خدماتها ومساعداتها بحجة "عدم التمويل" الذي بات يتطلب بعد سبعين عاماً من تمسكنا بحقنا في العودة إلى أراضينا أن نتنازل عن هذه الحق المعترف به دولياً ، ولما صارت هذه الوكالة سلاحاً تحارب به الدولُ المتحالفة مع الاحتلال جموع اللاجئين والفلسطينيين كي تجبرهم على الاستسلام لإقامة كيان يهودي عنصري على أرضهم وتنهي وجودهم كلاجئين لهم الحق القانوني والسياسي والاجتماعي في استعادة ما سلب منهم عام 48، بل والتعويض عن خسائرهم المادية والمعنوية.
لو لم تكن النكبة لما صرنا عبئاً على مجتمع سياسي عربي يلفظنا ويتحالف مع حلفاء عدونا لشيطنة مخيماتنا وإنهاء وجودها والتخلص منا حتى لو بقصف هذه المخيمات فوق رؤوس ساكنيها، وتهجيرنا منها إلى أبعد ما يكون جغرافياً عن فلسطين .
ربما بهذه الكلمات أيضاً، قد يجيب لاجئ فلسطيني من سوريا حطت به الرحال بعد سبعين عاماً على النكبة الأولى في خيمة للاجئين بصحراء مقفرة في شمال البلاد ، ينتظر مصيره المجهول مع عائلته بعد أن قُصف بيتُه في مخيمه بدمشق، حمل هذا اللاجئ بقايا حلمه في فلسطين صاعداً في حافلة تهجير لا تبتعد كثيراً في رمزها المعنوي عن قوافل التهجير الأولى التي صعد فيها جده عام 48 معتقداً أنها نكبة وتنتهي ، إلا أن الحقيقة المرة التي عاشها الأبناء والأحفاد من بعده أنها نكبة جرّت نكبات متتالية على الصعيد السياسي والوجودي الفلسطيني ، فمزّقت الممزق وشتتت المشتت، وولدت فصائل وكيانات سياسية لا حصر لها، كل يخدم مشروع مموله الاقليمي والدولي، تتنافس فيما بينها دون أن تقدم حلاً ناجعاً للقضية الفلسطينية التي ما زالت تنتظر معجزة إلهية يدرك جميع الفلسطينيين، رغم نكباتهم المختلفة ، أنها ستتجسد يوماً طالما هم حافظوا على حقوقهم من التبدد على الأقل في نفوسهم .
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين